ينبهنا ربنا يسوع المسيح إلى عدم إدانة الآخرين، أي الضيق من أخطائهم، متناسين أننا خطاة مثلهم، ونستحق أن يديننا الله. ولكن بالاتضاع، ننال غفران الله. فإذ نلتمس العذر للآخرين ونرحمهم، فيرحمنا الله أيضًا ويغفر لنا خطايانا.
فالإدانة إذن هى، ليست فقط عدم التوبة، وعدم محبة للآخرين، بل تعدٍ على سلطان الله الديّان، فنأخذ مكانه وندين الآخرين.
وتحمل أيضًا كبرياء في القلب، واحتقار للخاطئ. وليس معنى عدم الإدانة عدم التمييز، بل علينا أن نميز الخطية، ونصلي لأجل الخاطئ، ونحبه ونلتمس له العذر ونشفق عليه بأبوة، ولكن نبتعد عن خطيته ونوبخها قدر ما نستطيع، فنفصل بين الخطية والخاطئ، أي نكره الخطية ونحب الخاطئ.
"الكيل": هو وعاء لقياس حجم الحبوب، والمقصود هنا الوعاء الذي نملأه إدانة ونصبه على الآخرين، يُصَبُّ علينا أيضًا بنفس الوعاء، دينونة من الله، وهو يسمح في أحيان كثيرة أن نقع في نفس الخطية التي ندين فيها غيرنا، حتى نتوب .
"القذى": قش أو تبن صغير، ويرمز للخطية الصغيرة."الخشبة": قطعة خشبية أكبر بكثير من القذى، تحجب الرؤية، وترمز للخطية الكبيرة.
يشبّه المسيح خطية الآخر بالقذى في عينه، أما خطيتى فبخشبة في عينى، فيلزم التوبة أولًا لنزع الخشبة من عينى، فتتنقى حياتى، وبالتالي أستطيع بالمحبة وعمل الروح القدس، أن أرى القذى الذي في عين الآخر، أي خطيته، وأساعده على التخلص منها.
أما إهمالى للخشبة في عينى بعدم التوبة، ثم التطاول بإدانة الآخرين، متظاهرا في رياء أنى أريد مساعدتهم في إخراج القذى، وهو قش صغير جدا، من عيونهم، هو أمر غير معقول، لأنه كيف يرى الذي تحجب الخشبة عينيه قذى صغير في عيون الآخرين؟!الحقيقة أنه الكبرياء هو الذي يدفع لإدانة الآخرين, وعدم التوبة عن خطايانا.
خلاصة القول، اهتم بتوبتك كل يوم وَصَلِّ لأجل الآخرين إذا أخطأوا، والتمس لهم العذر.
ليس معنى البساطة والحب في التعامل مع الآخرين، حتى لا ندينهم، أن نتحدث عن الأسرار المقدسة في الكنيسة، وأعمال الروح القدس، أمام غير المؤمنين الذين لا يقدرون أهميتها.
وقد كانت الكنيسة قديما تغلق الأبواب بعد إخراج الموعوظين، فيبقى المؤمنون فقط الذين سيتناولون من الأسرار."الكلاب": ترمز للهجوم، فتمثل مقاومى الحق.
"الخنازير": فهي بعدم فهم، تدوس وتنجس كل شيء لقذارتها، فترمز لاحتقار الحق.أي أن البساطة تقترن بالحكمة في التعامل مع الآخرين.
ومن المقدسات أيضا، الاختبارات الروحية الشخصية، فلا تقال إلا لأب الاعتراف، أو دون ذكر الاسم، لنحتفظ باتضاعنا، ولا نعرّض هذه المعاملات الإلهية لعدم تقدير الآخرين.
يلزمك أن تميّز بين الحق والباطل، وبين الصالحين والأشرار، ولكن تقول الكلام المناسب في الوقت المناسب، فلا تكلم مبتدئين عن أمور روحية عالية تجعل الحياة مع الله صعبة.
من حقك أن تسأل وتفهم كل شيء لنمو حياتك الروحية، ولكن لا تتكلم إلا فيما يفيدك ويفيد الآخرين. الله، بمحبته الأبوية، يريد أن يعطينا كل شيء. ولكنه لا يعطى إلا لمن يقدّر العطية، ويظهر هذا التقدير في طلبها من الله.
فالله يعطى عطايا عامة لكل البشر، مثل الشمس والهواء والماء... إلخ.
ولكنه، بحبه، يريد أن يعطى أكثر من هذا. فإذا وَجَدَنَا متغافلين عن الصلاة إليه، يحفزنا لنسأله، فنأخذ منه... وإن تأخر في الاستجابة ليمتحن إيماننا، نطلب منه ونلح عليه، فنجد احتياجاتنا فيه. وإن ظل باب الله مغلقا ولا يستجيب، فإننا نقرع حتى يفتح لنا، ونثق أنه حتما سيستجيب لكل من يُصلّون إليه، ما دامت صلواتهم بحسب مشيئته ولخيرهم.
يقدم لنا المسيح دليلًا منطقيًّا على محبته الأبوية.
إن الأبوة البشرية تهتم بطلبات الأبناء، ولا يمكن أن تعطيهم عكس طلباتهم، ما دام الاحتياج حقيقيًّا وضروريًّا ومفيدًا.
فلا يعطى أي أب لابنه حجرًا بدل الخبز، أو ثعبانًا بدل السمك ليأكلهما.
فإن كانت الأبوة الجسدية لها هذه المحبة، فكم بالأحرى الله، مصدر الأبوة والحب، الذي يعطى الخيرات لأولاده الذين يثقون به، ويطلبون احتياجاتهم منه؟!"أشرار": كل البشر، لأنهم يسقطون في الشر، ولكن بالغريزة يهتمون بعطايا جيدة لأولادهم."أبوكم الذي في السماوات": إظهار أن الله هو مصدر الأبوة والحنان.
"خيرات": أي عطايا جيدة يحتاجها أولاده.
"للذين يسألونه": المتمسكون بصلواتهم في إيمان ولجاجة، ومتكلين على الله.
لا تَصْغِ لشكوك إبليس إذا تأخر الله في الاستجابة لطلباتك، بل ألح عليه، واثقا من محبته، وأنه يعطيك في الوقت المناسب ما هو لخيرك.
لكيما يستجيب الله لطلباتنا، ينبغي أن نعمل الخير مع الآخرين.
فإن كنا نريد أن يعملوا الخير معنا، فلنبدأ نحن أولًا بذلك؛ فمحبة الآخرين هي كمال الوصية والناموس.
عندما تقابل أي إنسان، ضع نفسك مكانه، وفكر ماذا ينتظر منك، حتى تقدم له ما يحتاجه من حب، أو ما ينتظره من اهتمام وتعاطف ومساندة.
وإذا أساء إليك أحد، لا تتسرع في الرد عليه أو إدانته في قلبك، بل اشعر بظروفه لتلتمس له العذر وتحنو عليه ولو بصلاة في قلبك.
/خادم كلمة الربّ/