كان أسدٌ يتمشّى في وسط الغابة، وإذ به يرى كل الحيوانات تهرب من أمامه وتخشاه، إذ هو ملك الحيوانات.
زأر بقوّة فدوّى صوته في كل الغابة، وخرج عشرات الأسود واللبوات والأشبال بسرعة إليه.
رأوه واقفًا في صمتٍ، فقال أحدهم: "سمعنا زئيرك فأتينا جميعًا، كل أسدٍ ومعه لبوته وأشباله؛ جئنا لكي نعمل معك، أو ننقذك إن كنت في خطر!"
قال الأسد " أشكرك، إني لست في خطرٍ... إني ملك، تخشاني كل الحيوانات البريّة، وتهرب من أمامي، لكن خطر بي فكرة أردت أن أعرضها عليكم."
- ما هي؟
- لنعِش كسائر البشر.
- ماذا ينقصنا لكي تشتهي أن تكون كالبشر؟
- إنّنا من جهة الجسم أقوى، من جهة الحريّة نتمشّى في الغابات بحريّة....
- ينقصنا أن نتشاجر معًا، ويأكل بعضنا لحم بعض، فهذا من سمات البشر!
- كيف يكون هذا، ونحن دائمًا نعمل معًا... إن إفترسنا حيوانًا نقتسمه جميعًا، ونعطي الشيوخ والمرضى والأشبال نصيبها حتى وإن لم تتعب معنا؟
- تعالوا نختلف معًا في الرأي ونتقسم إلى جماعات مختلفة، نحارب بعضنا البعض، ونأكل بعضنا بعضًا!
- يستحيل، فإنّه إن أكلنا بعضنا بعضًا فنينا، لأنّ أجسامنا ليست هزيلة كغالبيّة البشر، وأسناننا ليست في ضعف أسنانهم!
- لنحاول، فنحمل خبرة البشر...
- كيف نختلف معًا، ونحن بالطبيعة نعمل معًا؟!
عزيزي القارئ...
هذه القصّة الخياليّة على ألسنة الأسود من وحي ما كتبه القدّيس يوحنا ذهبيّ الفم، إذ يقول إنّ الإنسان قد إنحطّ إلى مستوى أقلّ من الحيوانات والحشرات، فيطالبنا الكتاب المقدّس أن نتعلّم الجهاد وعدم الكسل من النملة، والعمل الجماعي حتى من الحيوانات المفترسة كالأسود..
فإنها وإن كانت مفترسة لكنها لا تأكل بعضها البعض بل تعمل معًا، أمّا الإنسان فيختلف حتى مع من هو قريب إليه.
أذكر أنني دُعيت للتدخل في مشكلة في أميركا الشماليّة بين أب وإبنه قاما بمشروع معًا كشريكين ونجح المشروع، فرفع الأب على إبنه قضيّة يطالب فيها أنّ المشروع ملكًا له، ناكرًا شركة إبنه معه، هذا الذي من لحمه ودمه!! يا لبشاعة الخطيئة !
ما لا تفعله الحيوانات المفترسة يرتكبه الإنسان بغير حياء!
صرت عندك كبهيمةٍ! تطلع النبي إلى ما فعلته به الخطية فصرخ:
"صرت عندك كبهيمةٍ!"
لا تتعجب أيها الحبيب، فإنّ الحيوانات تلتزم بقوانين الطبيعة، وتسلك أفضل من كثير من البشر!
وهبتني يا ربي عقلًا، وأعطيتني نعمة الإرادة الحرّة، لعلّي بنعمتك أرتفع إلى سماواتك وأتشبّه بملائكتك!
أتعرّف عليك وأتمتّع بأسرارك، وأحيا في مجدٍ فائق!
لغباوتي حطّمتني الخطيئة، أذلّتني وإنحدرت بي إلى الهاوية!
لكنّك في حبّك نزلتَ إليَّ، لتحملني على منكبيك، وأحيا بالحقّ إبنًا مباركًا ومقدّسًا!