كان عم بطرس بائع الفول المدمّس رجلاً طيباً رحيماً محبًّا للفقراء كما كان إلى جانب ذلك مشهوراً بأنّ فوله جيّد فكانت الناس تتزاحم حول عربته كل صباح.
وكان فى المنطقة التى يبيع فيها عم بطرس وهي إحدى ضواحي القاهرة يوجد رجل فقير يدعى جرجس لم يكن له عائل أو إنسان فى الدنيا يعطف عليه وكان بجسمه من العلل ما يمنعه من مزاولة أي عمل منتظم يكسب منه.
فكان عم بطرس ينفق عليه كثيراً من ماله الخاص ومن طيبة قلب ذلك البائع المحسن قطع على نفسه عهداً ألّا يبدأ بيع الفول المدمّس إلّا بعد أن يملأ لجرجس طبقاً منه بلا مقابل.
وهكذا إعتاد الناس أن يروه يقدّم طبق الفول المليئة لجرجس باكر كل يوم قبل أن يبدأ البيع.
وحدث ذات صباح أن تأخّر جرجس عن موعد حضوره لملء طبقه. وظل عم بطرس في إنتظاره.
ورفض أن يبيع لأي شخص قبل قدومه.
كان يقول ( لقد قطعت على نفسى عهداً مقدساً أمام الله ولا يمكن أن أنقض هذا العهد بأي حال.)
وظلّ الناس منتظرين مقدم صاحبنا جرجس دون فائدة وهم يلحّون على عم بطرس أن يبيع وهو يرفض حتّى ملّ كثير منهم الإنتظار وإنصرفوا عنه يبحثون عن بائع آخر بينما إستمرّ بعضهم واقفاً لأنّه لا يرضى عن فول عم بطرس بديلاً.
وظلّ ذلك البائع الطيّب مترقباً قدوم جرجس حتى رآه أتياً من بعيد ماشياً على مهل وهو يتّكأ على عصاه.
لقد كان سبب تأخّره أنّه أصيب بنزلة معويّة حادّة زادت جسمه ضعفاً ونحولاً لدرجة أنّه كان يعجز عن الوقوف أو المشي إلّا وعصاه فى يده.
ولم يكن بإمكانه في ذلك اليوم الخروج من حجرته الرطبة المظلمة لولا أنّ الجوع قرص معدته ولم يجد شخصاً يسأل عنه.
وعندما إقترب جرجس من عربة الفول ثبت على حافتها طرف عصاه وإستند عليها بثقل جسمه ليحفظ إتّزانه فإنقلبت العربة وتدحرج قدر الفول الفخار ووقع وإنكسر وتبعثر الفول على الأرض هنا وهناك .......
وتجمّع الناس حول العربة المقلوبة ... وتأثّر عم بطرس حين رأى مورد رزقه قد سكب على الأرض .... وقال له بعض الواقفين هذه نتيجة رحمتك وطيبة قلبك يا عم بطرس ... رفضت أن تبيع لزبائنك وظللت منتظراً جرجس فلمّا جاء ذلك الرجل المشؤوم ... كسر لك القدر وضيّع عليك أموالك .!!!
وبدأ بعض الواقفين يعنّفون جرجس بصوت مرتفع ولكن عم بطرس منعهم .... مسلّمًا أمره لله...
وفجأة صاح أحد الواقفين .!
أنظر يا عم بطرس ... وأشار المتكلّم إلى القدر المكسور فإتّجهت الأنظار إلى أسفل ويا للعجب ! ويا للهول المنظر الذي رآه الجميع.
لقد رأوا ثعباناً كبيراً ميتاً مقطّعاً كان داخل القدر !!
وصاح عم بطرس متهلّلاً ... وقال بصوت مرتفع :
"أشكرك يا ربّ لأنّك رحمتني ولم تشمت بي أعدائي.
وقال للناس المجتمعين : إنّ أحد جيراني يحسدني على رزقي الواسع وإقبال الكثيرين على الشراء منّي ولا أستبعد أن يكون ذلك الجار الشرّير الخبيث قد دبّر هذه المكيدة الدنيئة لكي يبعد عنّي زبائني ويوقعني في مسؤوليّة خطيرة جداً .. ولكن شكرا لله ... شكرا لله ... الَّذى منع وقوع الحادث وصان حياتي وحياة عملائي بطريقة غريبة .. لم تكن تخطر لي على بال.
وإتّجه عم بطرس إلى جرجس يحتضنه ويقبّله ! ويشكره أيضاً.