في يوم الربّ ، وبالظبط بعد الظهر ، أخذت نفسي بتوزيع مجموعة من النبذ بين عمال أحد المناجم ، وكانوا وقتئذ خارج المنجم يستمتعون بالهواء الطلق وضوء الشمس بعد أسبوع طويل قضوه في ظلام جو المنجم الخانق.
وبينما أنا في طريقي إذا بإثنين من الشبّان الَّذين يعملون هناك يسيران نحوي ، فإنتقيت نبذتين وأعطيت واحدة لكل منهما فأخذاهما بالشكر.
لكن أحدهما - وكان فتى لطيفاً ، متين البنيان - ظلّ واقفاً يقرأ عنوان النبذة "في الوقت المناسب".
أحسست أنّ الموقف جدّ ، وهكذا ملأ الإحساس نفسي.
وإذ رفعتُ عيني إلى وجه الفتى وما يبدو عليه من فرحة وتعبير، قلت له :
"أجل يا صديقي ، ليت هذه اللحظة هي الوقت المناسب لإعدادك للسماء".
ولمّا عدت إلى المنزل طلبت إلى الربّ أن يخلّصه.
وفي مساء يوم الثلاثاء سمعتُ طرقاً شديداً على باب منزلي وإذا بالطارق يسألني :
"هل انت يا سيدي هو الذي قدّم لأحد الشبّان نبذة عنوانها : في الوقت المناسب ، منذ أيام ؟".
"نعم انا هو" .
"إذاً أرجوك ان ترافقني".
أسرعتُ في إرتداء ملابسي وخرجتُ, وكان ليلاً ، برفقة الشاب.
وفي الطريق أخبرني أنّ زميله كان قد نزل إلى المنجم كعادته بواسطة الهابط الكهربائي ، وما إن قفز منه حتّى وقع على الأرض مهشّماً ، حيث تكسّرت عظام صدره ، وها هو يرقد في كوخه في حالة يرثى لها ، عاجزاً عن الكلام يتنفّس بصعوبة وكان يبدو أنه يسارع إلى نهاية حياته.
كنّا قد وصلنا إلى الكوخ حيث رأيت ذاك الذي كان يوماً شاباً عارماً في عنفوان فتوته - عاجزاً متهشماً .
ثبّت عينيه في وجهي وحاول عبثاً أن يتكلّم.
تكلّمت أنا :
"هل أستطيع أن أقرأ لك وأصلّي معك ؟" "نعم" قالها في صورة همس يموت.
قرأتُ له قول الربّ :
"هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة".
وأخذتُ بعد ذلك أحدّثه عن محبّة الله التي تريد خلاصه ، وعن كفاية دم المسيح لخلاصه.
حدّثته أنّه إنسان هالك ، فاسد الطبيعة ، لكن الربّ يسوع جاء يطلب ويخلّص ما قد هلك ، وأَنّه له المجد يطلبه هو ويريده بالذات ، وأنّه بعدما أتمّ العمل الذي بواسطته رفع الخطيئة من قدّام الله يستطيع الآن أن يهبه معرفة غفران خطاياه بدمه الكريم.
ثمّ قرأت قصّة الإبن الضال المذكورة في لوقا ١٥ ثمّ قصّة الفرّيسي والعشّار _ وردّدتُ على مسمعه قول الرب :
"من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً".
تغيّرت ملامح وجهه ، فهرب اليأس وأخذ مكانه الأمل بإشراقه على محيّاه.
طلب شيئاً من الماء فأحضرت له زوجته قدحاً رفعته على شفتيه.
وإنها لجرعة واحدة حتّى شاهدنا ما أدهشنا: ذاك الذي كان من العجز بحيث لا يستطيع أن ينطق حرفاً واحداً إلاّ في همس مائت ، إذا به يرفع عينيه وفي صوت مسموع وعبارة واضحة يقول :
"في الوقت المناسب ... اللهم إرحمني أنا الخاطئ من أجل خاطر يسوع . آميـــــــن"
بالكاد نطق الكلمة الأخيرة ثمّ طوح رأسه على الوسادة ، وما هي إلاّ آهة مهتزة حتى كنّا أمام جسد ميت.
لن أنسى ذلك المشهد ما حييت ، فقد كان فيه صوت بالغ الدوي ، صوت آت من حافة الأبديّة ، إنذار لكثيرين ممّن شاهدوه ، وقد باركه الله للجميع .
أيّها القارئ...
هي خطوة بينك وبين الموت : فهل تذكر ذلك ؟
"الربّ ... لا يشاء أن يهلك أناس" "هوذا الوقت وقت مقبول " "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" "لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم "