- عندما مرّت الريح، قبل قليل، لم ترقص أوراقكِ وأغصانكِ رقصتها الجميلة، أخبريني لماذا أنتِ حزينة؟ ألستُ صديقك؟ والصديق لا يخفي عن صديقه أي شيء!
إهتزّت أوراق الشجرة، ومال غصن حتّى كاد يلامس صفحة النهر قالت:
- كل الأشياء تتحرّك، أنت تمضي من مكان إلى مكان، ترى الدنيا وتشاهد الناس، والحيوانات... ولك.. كل شيء، أمّا أنا فجذري مغروس في الأرض، ثابتة في مكاني، لا أتحرّك، أنا حزينة أيّها النهر، حزينة لأنّني بدأتُ أحسّ بالملل والضجر.
إستمع النهر إلى صديقته الشجرة بإنتباه، ومودّة وقال لها:
- سأحاول أن أساعدكِ، فلا تحزني، عليّ الآن أن أواصل مسيري في مجراي حتى أصل إلى الوادي الكبير ثمّ إلى البحر، يجب أن لا أتأخر، فالكثيرون في إنتظار وصولي! وداعاً.
منذ ذلك اليوم، إمتنعت الشجرة عن إمتصاص المياه والطعام، فبدأ الشحوب والإصفرار على الشجرة، ولم تظهر براعم جديدة لأية زهرة.
وهذا ما لم يحدث من قبل للشجرة.
حزن النهر كثيراً على صديقته، التي كان يراها تزداد إصفراراً يوماِ بعد يوم، ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً في البداية، فقد كان عليه أن ينحدر إلى الوديان، ويسير بين القرى لسقي الأرض، ويعطي المياه للكائنات.
فيما كانت حياة النهر تهدر ببطء من إحدى الصخور، وقف عصفور على قمّة صخرة، وصاح:
- ما بالك أيّها النهر تبدو حزيناً على غير عادتك؟ أين سرعتك؟ وأين صوت خريرك الجميل؟
دعني أصغي إليك، فلقد تعلمت منك لحناً جميلاً، أحبّه زملائي العصافير في الغابة، فلماذا لا تُسمِعني خريرك الجميل؟
صمت النهر قليلاً .
ثم أصدر صوتاً جميلاً مليئاً بالحزن، وأخبره بحكاية صديقته الشجرة.
هزّ العصفور جناحيه ورفع رأسه وزقزق طويلاً، وقال:
- لديّ فكرة أيّها النهر الصديق!
ثم طار وهو يقول : "ستعرف غدا كل شيء".
وفي اليوم التالي، إصطحب العصفور كروان مجموعة من العصافير: حساسين وبلابل وكناري، وحطوا جميعاً على الشجرة.
قال العصفور كروان صديق النهر:
- أيّتها الشجرة جئنا إليكِ من كل الغابات، ومن أعالي الجبال، فالنهر قد أخبرنا وهو صديق كل الطيور، وأنتِ أيّتها الشجرة جميلة، مليئة بالأغصان، ولا نريد أن تحمل أغصانكِ أيّة أوراق صفراء فهل تقبلينا أصدقاء لكِ؟
فرحت الشجرة بأسراب العصافير والطيور وهتفت:
- أجل، فكيف أكون صديقة لكم؟
قال العصفور كروان، بينما كان الجميع يزقزقون، وينشدون بفرح:
"نحن نسكن بلاداِ بعيدة، وقد جاء الشتاء وستتساقط الثلوج، ويشتدّ البرد، فهل تسمحين لنا بالإقامة بين أغصانكِ لتعطينا دفئكِ الجميل ولنضع البيض في أعشاشنا؟
أضاف الكناري الصغير:
- ونربّي صغارنا - أفراخنا بين أغصانكِ.
أكمل السنونو:
- وكلّما طرنا، وعدنا، وسنروي لك ما نشاهده في الدنيا، سنغني لك ونشدو، ونغرّد ونزقزق، ونحكي لكِ كل شيء عن الدنيا.
فرحت الشجرة كثيراً، وضمّت أغصانها في حنان على أصدقائها العصافير وقالت:
- سأحميكم من الرياح، ومن أشعّة الشمس حين تشتدّ حرارتها.
فرحت الشجرة، فرح النهر، خرجت العصافير، وبدأت تشدو وتغرّد وعاد النهر يواصل خريره الجميل، ويواصل سيره إلى الوديان والحقول، والقرى، ويسقي من مياهه الأشجار والكائنات.