في أسرة الله هناك يسوع ابنُه الوحيد (يو 1:1-4؛ عب 1:1-4) والروح القدس المولود منه بالانبثاق.
إنّها أسرةُ الله الثالوث غير المُنقسم.
وهناك العذراء مريم.
فهي ولدَت المسيح الإله، المولود من الآب من قبل بدء الأزمنة، بحلول الروح القدس الإلهيّ عليها (لو 35:1).
مريم هي الكائن الوحيد الذي تربطه صِلة قرابة أسريّة حقيقيّة بالثّالوث.
هي من أهل بيته والأقرب إليه بين الملائكة والبشر على الإطلاق، وترتبطها به قرابةٌ أبديّةٌ وثيقةٌ وكاملة في تماسكها وقوّتها، غير منقسمة ولا مُنفصلة لأن الإله نجسد من دمائها النقية.
ولكي تؤهَّل لأن تكون في قرابةٍ أسريّة مع الثّالوث القدّوس، فقد أوجبَ أن تكون كاملة القداسة (نش 7:4).
وهو أهّلها، لكمال قداستها، أن تشترك في قدسيّته.
وكمال قداستها، وقرابتها الأسريّة مع الثّالوث، يجعلانها ممتلئةً نعمة، والأحبّ إلى قلب الثّالوث بين الملائكة والبشر على الإطلاق.
فالثّالوث يحبّ مريم بلا قياس.
هو يحبّها أولًا، وبلا مُنازِع، فوق جميع الملائكة والبشر، لأنّها من أهله وخاصّته.
وحيث أنّها كانت في ذهن الثّالوث منذ الأزل.
فمحبّتُه لها هي منذ الأزل، ولا نهاية لها.
وقرابة مريم الأسريّة بالثّالوث، واشتراكها في حياته الإلهيّة، يؤهّلُانها، أكثر من البشر والملائكة، لمعرفة أسرار الله، تحفظُها في قلبها وتتأمّلُها (لو 18:2-21)؛ وتؤهّلُها قرابتُها الأسرية، الأزليّة، بالثّالوث، للتشفّع بالمؤمنين.
ويتّضح مما قلناه أنّ شفاعتها لا تُردّ، وأنّ شفاعتها تفوق كلّ شفاعة يقوم بها القدّيسون والملائكة.
وقرابة مريم للثّالوث هي دائمة ولا رجعة فيها (رومة 29:11).
فمريم هي منذ الأزل، وتبقى إلى الأبد، ابنة الآب وأمّ الابن وعروس الرّوح القُدس، وباطلٌ كلّ قولٍ ينفي حقيقة أنّها هي والدة الإله وشفيعة لنا.
ونحن أيضًا أسرة الله (رو 8:9؛ 1 يو 1:3-2) وأهل بيته (أف 22:2) وأبناؤه بالتبنّي (غلا 4:4-7؛ أف 5:1-6) وورثةُ ملكوته (رو 14:8-17؛ مت 34:25؛ 1 تس 12:2؛ عب 28:12).
والله الآب، الذي منه كلّ أسرةٍ في السماء والأرض (أفسس 15:3)، شاء أن يجعل العذراء مريم من أسرته، لتكون الواسطة والرّابط بين السماويّات والأرضيّات، كما قالت صلواتنا: "ربطت بالسماويّات طبيعة جنسنا المُقصاة" عن الملكوت بسبب سقطة آدم.
وأن يجعل تلك الأسرة الثّالوثيّة،ومريم في قلبها، مثالًا لكلّ أسرةٍ إنسانيّة.
فهو يدعو كلّ أسرة لأن تكون على مثال أسرة الثّالوث، وأن ترتبط بالله الثّالوث بالعبادة، وتتقوى تلك العبادة بالتشفّع بمريم.