"يتركون لنا بقايا الشمس لندفأ
بقايا الموائد لنأكل
بقايا الليل لننام
بقايا الفجر لنستيقظ
بقايا الموسيقى لنسمع
بقايا الأرصفة لنمشي
بقايا الأصابع لنكتب
ثم يتركون لنا الوطن من المحيط إلى الخليج، لنقاتل ونموت من أجله " (الماغوط)
في مملكة البشر يموت الناس جوعاً الى الخبز الامر الذي لا يحصل في أي من ممالك المخلوقات الاخرى.
وفي مملكة البشر يموت الناس جوعاً الى الرحمة الامر الذي لا يحصل في مملكة الله.
لماذا تريد موت الخاطىء؟ لماذا تمنع عنه الحياة؟ لماذا تحجب عنه النور؟ لماذا تجعله غريباً في مدينة الارض؟! لماذا تسلبه حق التوبة؟!
ربما بقايا طعام الاغنياء يشبع فقراء الارض! وربما قليلٌ من شعاع الفجر يجعل البشرية تستيقظ! وربما بصيصٌ من رحمة الله يُنعش القلوب اليابسة.
لماذا تغضب من الكاهن إذا زار من تعتبره خاطئاً كبيراً؟ لماذا تهجر كرسي الإعتراف وتنفر من الذي يدخلها تائباً؟ لماذا تستهويك المقاطعة و"الحرد" وصنع المكائد والحروب؟ لماذا تطلب من الرب في صلاتك أن يغفر لك خطاياك ولا تغفر أنت لمن أساء إليك؟ ألا تعلم أن الرب لا يريد موت الخاطى؟
يقول حزقيال في قراءة اليوم "والشِّرِّيرُ، إِذَا رَجَعَ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا، وَحَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي، وَأجرى الحَقّ وَالبِرَّ، فَإنّه يَحْيَا حَيَاةً ولاَ يَمُوتُ"
(حزقيال ١٨ / ١)
يُطلق حزقيال صفة بشعة جداً "الشرير" على الخاطىء وهي أعلا درجات العصيان والرفض وممارسة جميع وسائل قتل الحياة.
لكن يبقى لهذا الشرير الارادة الحرّة في الفعل وأخذ المبادرة والعودة عن "جميع خطاياه" وإجراء "الحق والبرّ" فينال نعمة الحياة.
هنا يتساوى الخاطىء التائب مع البار القديس "لََمَّا جَاءَ المَسِيحُ بَشَّرَكُم بِالسَّلامِ أَنْتُمُ البَعِيدِين، وبَشَّرَ بالسَّلامِ القَرِيبين، لأَنَّنَا بِهِ نِلْنَا نَحْنُ الاثْنَينِ في رُوحٍ وَاحِدٍ الوُصُولَ إِلى الآب"
مرّة أخرى لا ترفض ولا تستغرب، إذهب بنفسك إلى الجانب الاخر، أنظر من الزاوية التي ينظر منها الرب، يدعوك الان أن تستعمل منظاره في رؤية الاخرين.
لا تحكم بالموت على أحد ولا تسمح لنفسك بإدانة الاخرين.
إذا أراد الرب أن يجمع البعيدين والقريبين في مدينة واحدة وفي هيكل واحد.. لا ترفض.
أنت لا تحيا بذاتك ولا بأفكارك ولا بعقيدتك بل تحيا مع غيرك المختلف عنك، الذي لا يُعجبك وربما لا تُعجبه، لكنك بحاجة إليه ليكتمل البناء ويرتفع الهيكل "بُنِيتُمْ على أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاء، والمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة".
أنت لا تستطيع لوحدك أن تشكّل الهيكل بل مع غيرك.
لوحدك أنت مجرّد حجر بسيط، مع غيرك تشكّل بناءً كبيراً يصلح أن يكون هيكل الله.
لا أحد يصلح أن يكون حجراً حيّا في هيكل الرب دون نحت النواتىء وتشذيب الشوائب، فتتحد الاحجار فيما بينها وترتفع معاً على رأس الزاوية يسوع المسيح "والمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة"
منه ينطلق البناء وعليه يرتكز وفيه يكتمل، فإذا قبل توبة حجر مثل زكّا العشّار أو المرأة الزانية أو المرأة السامرية أو أي خاطىء سيتماسك البناء ويرتفع أكثر وتنمو في الارض مدينة القديسين "فيهِ يَتَمَاسَكُ البِنَاءُ كُلُّه، فَيَرْتَفِعُ هَيْكَلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ، وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا تُبْنَونَ معًا مَسْكِنًا للهِ في الرُّوح".
صديقي المؤمن إسمع صوت الرب الذي لا يريد موت الخاطىء بل حياته فاذا تواضع وتاب ينال الغفران والشفاء ..
"ثُمَّ اتَّضَعَ شَعْبِي الَّذِي دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، وَتَضَرَّعُوا طَالِبِينَ وَجْهِي، وَتَابُوا عَنْ شَرِّهِم، فَإِنَّنِي أَسْتَجِيبُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَصْفَحُ عَنْ خَطِيئَتِهِمْ وَأُخْصِبُ أَرْضَهُمْ."
(٢ أَخْبَارِ ٱلثَّانِي ٧ / ١٤)
تمتع أنت بالشمس واترك غيرك ينعم بالدفء.
تناول من خيرات الارض ما يشبع جوعك واترك لغيرك حصته من مائدتك أنت ولن تشعر بالعوز.
الليل لك ولغيرك فيه تنام وغيرك أيضاً، فيه ترتاح وتجدد الهمة والنشاط وغيرك أيضاً والبحر لك ولغيرك والارض لك ولغيرك والسماء أيضاً.
ستشرق الشمس دائما على سكان الارض ويشعر الجميع بدفئها واذا حجبت عن غيرك نورها ستشعر أنت أولا بالبرد والعوز الشديد الى دفء النعمة.
"فَالرَّبُّ، إِذَنْ، لَا يُبْطِئُ فِي إِتْمَامِ وَعْدِهِ، كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْكُمْ، فَهُوَ لَا يُرِيدُ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، بَلْ يُرِيدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ تَائِبِينَ."
(٢ بُطْرُسَ ٣ / ٩)
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/