إلهنا إله الرحمة، يحمل آثام الخاطىء ويصفح عن معاصيه، لا يُشدّد غضبه الى ما لا نهاية، والأهم من كل ذلك أنه يُحب الرحمة.
هذا هو اختبار الخاطىء في سفر ميخا، إذ جعل رجاءه بالرب بعد أن خذله البشر وقسى عليه الاصدقاء والاعداء وما أكثرهم، فانتظر الرأفة من الله لا من أقاربه وأحبّائه، هو الذي دافع عنه في محنته ونقصه فأنصفه واخرجه من الظلمة الى النور وهناك رأى برّه.
تلك الحقيقة لا يعرفها سوى الاحبّاء المخلصون الذين يستمرون في مسيرة الحب بعد إكتشاف مرض الحبيب أو نقصه أو ضعفه أو خطيئته. غير ذلك يكون الحب مجرّد مشاعر زائفة تزول عند الاختبار الاول.
تلك الحقيقة جسّدها يسوع بالقول والفعل ودفع ثمنها حكماً جائراً أوصله الى الصليب.
حكم الناس على الزانية بالرجم حتى الموت وجلبوا حجارة قاسية مثل قلوبهم مُتحجرة مثل عقولهم تحضيراً لحفلة شواء الخاطىء، أما يسوع فقد "شحوَطَ" على الرمل خطايا الانسان تسهيلاً لمحوها مع أول نسمة حب تهبُّ على تلة الجلجلة.
هكذا سقطت الحجارة من عيونهم قبل أيديهم واكتشفوا أنفسهم وفظاعة خطيئتهم وأنهم بحاجة الى رحمة الله.
حوّل يسوع اتجاه تلك الحجارة ببركة يمينه فبدل وقوعها على جسد الخاطىء وقعت على جسده "جلدات" قاسية وكرباج موجع وسهام قاتلة فتحررت الزانية ولملمت خيباتها صنعت منهم بخور أحرقتهم على مذبح الرب في يوم الرب.
صرخ يسوع من أعالي الجلجلة وسمعت البشرية صوته يقول: " جئت من أجل زكا العشار، والارملة والنازفة والابرص والمخلّع، جئت من أجل المسكين والمظلوم والمنبوذ والضعيف والمقهور والمرضى وليس من أجل المتعافين الاصحاء".
لكن الناس يعشقون الركض حفاة في أرض الوعر والبور، يجمعون الأشواك بدل الورود والقندول بدل الياسمين والغار، صنعوا تاج العار بدل الأنتصار وغرزوهم بكل قساوة على جبين الفادي بغية تنصيب الجهل ملكاً على هامة الحق والحياة.
لكن الردّ على تلك القساوة كان نقطة دمٍ من يسوع كرجت على وجه البشرية فمحت خطايا الزانية، وردّت الابن الضال الى منزله الوالدي من الموت المحتوم، مثل الكثيرين الذين يهجرون الاهل لتسهيل ارتكاب المعاصي، وعندما تقتص منهم الخطيئة وتصبح كرامتهم معجونة مع فضلات الخنازير، بدل العودة الى حضن والديهم، يأتون بمسامير تعفّنت من الحقد واهترت من الكراهية لتُغرز في يدي يسوع وتثبّت جيدا على الصليب فيصبح عاجزا عن ضمّ الخاطىء الى قلبه.
لكن يسوع صاحب القلب الكبير الذي يتخطّى برحمته حدود الكون ويتفوّق بحبه على كل معاصي البشر مهما بلغت يسحب المسامير الجافة ويصنع إزميلاً وينحت قلباً جديداً يعرف كيف يُحب من لا يستأهل الحب.
حكموا على الزانية بالرجم حتى الموت فغفر لها بالصليب حتى القيامة..
استغلّوها، إستعبدوها، نحروا كرامتها مرمغوها بالوحل... ويسوع أحبها حتى آخر نقطة دم من دمائه غسلها وحررها من كل أوساخ العالم...
واليوم من يزرع الزؤان في أرض جاره والشوك على درب الخلاص ونهضة البشرية علّه يفهم لغة الحب وان لا يُتعب نفسه ويُتعب غيره، قبله الكثيرين اتهموا يسوع ببعل زبول وهو أحبهم، شهدوا عليه بالزور وهو أحبهم، فرّقوا أولاده عن بعضهم البعض وهو أحبهم...
زرعوا الشوك زرع الغفران زرعوا الفتنة زرع السلام زرعوا الكذبة زرع الحقيقة زرعوا الموت زرع الحياة.
لا تُتعب نفسك وتقود الناس الى اليأس، هل تعتقد انك ربحان؟ اذا اعتقدت أن الحب غير موجود والرحمة بعيدة المنال ولا توبة للخاطئ ومن يصنع الخير يكون لمجده الشخصي أو تفتيش رخيص عن الكسب المادي والمراكز الفانية، للأسف اعتقادك خاطىء وتتحالف مع الشيطان صاحب المعارك الوهمية والانتصارات الزائفة، انت تعلم جيداً ان الشيطان عندما يسمع اسم يسوع يموت رعبة، وتعلم أن العذراء مريم داست رأسه بطاعتها والقديس يوسف انتصر عليه بطهارته والمؤمن ينتصر عليه بإيمانه..
إذا شوّهت سمعة غيرك حليف من تكون؟ وإذا شككت بنوايا غيرك حليف من تكون؟ وإذا زرعت الفتنة بين الناس حليف من تكون؟
قم الان، تحرر وانفض غبرة الفرّيسيّة عنك، لا تُشغل نفسك بإدانة يسوع ومن يحمل رسالته، لا تقل أن فلان خاطىء وكيف يدخل يسوع بيته؟ حبّذا لو تتوقف الان عن نثر السموم في عقول الناس، بادر الى ملاقاة الحب مثل المرأة الخاطئة، اشترِ قارورة طيب وطيّب سمعة غيرك دافع عن الضعيف والمنبوذ...
إبكِ خطيئتك فيرحمك الرب، وبدموعك إغسِل أرجل الخاطىء بدل رجمه وتكسير جوانحه ساعة انطلاقته ونهوضه لخلاص نفسه وغيره، وإذا كنت لا تملك منديلاً لتمسح عرق من تعبوا لتعود الحياة لأي مريض، إفعل مثل تلك المرأة وامسحهم بشعر رأسك واخدمهم برموش عينيك، بدل التنكيل بهم والمساهمة بهدهم وانت جالس تحصي وتُفنّد وتستعرض وتنشر خطايا غيرك.... إذا عمل غيرك ولم تساعده، دعه يعمل، لا تعرقله، شجعه بكلمة "العوافي" واسقه فقط كأس ماء بارد.... إذا كان يبني اسنده ببحصة وقل له:" الله يعمّر معك"... إذا دخل هيكل الرب عن غير استحقاق أو دخل الرب إلى هيكله وهذا الاهم ولو كان أيضاً عن غير استحقاق، إفرح بتوبته، قدّم على نيته صلاتك، أضىء شمعة من أجله وقل له علانية: "الله يقدسك" ساعتئذٍ تكون حليف يسوع وبالتالي حليف الحياة.
أغفر لنا يا رب غلاظة قلوبنا واصبر علينا وارحمنا كثيرا رغم اننا نحب قليلا، حول" سيوفنا سككاً ورماحنا مناجل فلا نعود نرفع سيفا على أحد ولا نتعلم الحرب من بعد"(ميخا ٤ / ٣). آميـــــــن
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/