ربّ القوات، ربّ الأكوان. الرب القدير كما رآه ( النبي أشعيا ٢ / ٦ ).
وسيأتي يوم يفهم الشعب أبوّة الله، فيقول (مزمور ١٠٣ / ٣ ): «كرأفة أب ببنيه رئف الرب بخائفيه».
ويقول أشعيا: «أنت أبونا... أنت يا رب أبونا وفادينا. هذا هو اسمك منذ الدهر».
ويقول أشعيا أيضاً : «والآن يا ربّ أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا جميعاً، ونحن جميعاً عمل يدك».
ويقول هوشع: «يوم كان اسرائيل فتى أحببته، ومن مصر دعوت ابني. كلما دعوته هرب من وجهي... وأنا الذي علّمهم المشي وحملهم على ذراعه... جذبتهم إليّ بحبال الرحمة وروابط المحبّة، وكنت لهم كأب يرفع طفلاً على ذراعه ويحنو عليهم ويطعمهم».
حين نقرأ الأناجيل، تظهر علاقة خاصة وحميمة بين الله ويسوع.
فالله هو أبو يسوع المسيح وهي علاقة فريدة، استطاع معها يسوع أن يقول: " لا يعرف أحد الابن إلاّ الآب، ولا يعرف أحد الآب إلاّ الابن" ( لوقا ٢٢ / ١٠ ).
حاول الناس أن يجعلوا يسوع معلّماً بين المعلّمين، ومفكّراً بين المفكّرين ومصلحاً بين المصلحين.
ولكنه في الواقع يبقى لغزاً للبشر.
والسبب؟ لأنه في علاقة خارقة مع الله.
فعلاقته تختلف كل الاختلاف عن علاقة موسى أو داود بالله.
قالت الرسالة إلى العبرانيين عن موسى إنه كان الخادم في البيت.
أما يسوع فهو الإبن.
يسوع هو ذاك الذي لم يعرف الخطيئة.
هو ذاك الذي يحرّرنا من الخطيئة.
هو ذاك الذي يعلن منذ بداية حياته كفتى: " أريد أن أكون في بيت أبي".
وسيطرد من الهيكل التجّار الذين يشوّهون الهيكل، فيدلّ على سلطته على بيت الله.
كما سيدلّ على سلطته على السبت وعلى الشريعة التي يفسّرها بسلطانه الالهي: " قيل لكم، أما أنا فأقول لكم " ( متى ٥ / ٢٧ ).
وتظهر علاقة يسوع كالابن تجاه الآب، بشكل خاص، في الصلاة.
علّمَنا أن نقول " أبانا ".
بل تفوّه بلفظة فريدة لا نجدها في العالم اليهودي كله، وهي تلك التي يقولها الطفل لأبيه: " أبّا، أيها الآب ".
بل علّمنا أن نقولها، على ما في الرسالة إلى غلاطية: " والدليل على أنكم أبناء الله هو أنه أرسل روح ابنه إلى قلوبنا هاتفاً: أبّا، أيها الآب".
الله هو أب وهذا الاسم يكفي ليدلّ عليه.
هو أب منذ الأزل.
هو أبو يسوع المسيح كما تقول الرسالة إلى أفسس: " تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحيّة في السماوات ".
انطلق يسوع من الخبرة البشريّة وحدّثنا عن الله أبيه.
لا شكّ في أنه ليس من صورة تكفي لكي تحيط بالله.
ولكننا نقول إن الله أب، ونسرع: ولكنه ليس أباً مثل آبائنا.
ننفي حالاً ما نقوله.
ومع ذلك، يجب أن نقول إن الله أب.
هو بعيد كل البعد عن عالم الميتولوجيا حيث الآلهة تتزوّج ويكون لها أولاد: في مصر مثلاً، تزوّج اوزيريس ايزيس فكان لهما ولد هو حورس.
وكذا نقول عن بلاد الرافدين.
أما إلهنا فلا " امرأة " له مثل زوش وجوبيتر وسائر الآلهة الوثنيّة.
وحين نقول إن الله أب، نعلن أنه لا يعيش وحده في عزلة سمائه.
نعلن أنه عيلة فيها الابن والروح القدس.
وفي هذه العيلة ستدخل البشريّة كلها.
والله أب منذ الأزل.
هو لا ينتظر كما ينتظر الشاب أن يتزوّج لكي يكون أباً.
فالعلاقة بين الآب والابن هي من العمق بحيث لا نستطيع أن نفكّر بالواحد دون أن نفكّر بالآخر.
قال يسوع عن نفسه: " أنا والآب واحد". ( يوحنَّا ٣٠ / ١٠ ).
وكان يوحنا قد قال في مطلع انجيله عن الكلمة الذي هو الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس: " في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الله". ( يوحنَّا ١ / ١ ). آمــــــــــــين.