HTML مخصص
نقول في قانون الإيمان: " نؤمن بإله واحد... خالق السماء والأرض ".
فنشاط الله الخلاّق هو عنصر جوهريّ للإيمان بحيث إنه وحده يُنسب إلى الله.
والكتاب المقدّس يشدّد على عظمة عمل الخلق منذ البداية فيقول في سفر التكوين: " في البدء ، خلق الله السماوات والأرض " . ( ١/١ ).
ويقول الشيء عينه الأنبياء وأسفارُ الحكمة.
نتوقّف عند الخلق كعمل الله الآب.
عند الخلق الذي هو حسن والذي جعل الله سعيداً في ما خلق.
عند الخلق الذي يتواصل حتى نهاية العالم من أجل أرض جديدة وسماء جديدة.
أولاً: الخلق عمل الله الآبنبدأ فنقول أولاً إن الخلق هو عمل إلهي.
وحين نقول إن الخلق هو عمل الآب، فنحن لا نفصل الآب عن الابن والروح القدس، لا في علاقاتهم ولا في تجلّيهم في العالم.
الخلق عمل ثالوثيّ.
ثم، حين نشدّد على عمل الخلق، فنحن لا نفصل هذا العمل عن سائر ظهور الله وتجلّياته.
كلها تنبع من اهتمام واحد، وهو الدلالة على حضور الله وحنانه من أجل شعبه، من أجل البشريّة كلها.
الله يخلق لأنه يخلّص.
ويخلّص لأنه يخلق.
أما الإيمان بالله الخالق فقد ظهر في التوراة بشكل تدريجيّ.
وهو يرتبط بخبرة الخلاص.
في البدء خلق الله.
ثم قال: ليكن نور، فكان نور.
وقال الله: لتنبت الأرض نباتاً... فأخرجت الأرضُ نباتاً.
ورأى الله ذلك إنه حسن.
وخلق الله الشمس والقمر والكواكب والحيوان.
وأخيراً خلق الانسان.
لنخلق الانسان على صورتنا ومثالنا.
ورأى الله جميع ما خلقه فإذا هو حسن جداً.
هذا في تقليد الكهنة الذين انطلق من عالم المياه، فأعلن عمل الله حين صنع ما صنع.
أما في تقليد الحكماء، فانطلق الكتاب من عالم الصحراء التي منها جعل الرب " جنّة عدن" ، جعل " الفردوس " ، بأنهار أربعة تحوّل القفر إلى خصب.
واكتشف الانسان العبراني رغم ما عرف من ميتولوجيات بلاد الرافدين، أن الله وحده هو الخالق.
وقد صنع الانسان بمحبّة كما يصنع الفخاريّ الفنّانُ إناءً.
صنعه من التراب ونفخ فيه نسمة حياة. خلقه رجلاً وامرأة يكونان على صورته ومثاله.
لا يقول العهد القديم إن الله الآب هو الذي خلق.
ولكن القراءة المسيحيّة لهذه النصوص ربطت الله الخالق بالله الآب.
هنا نبتعد عن العالم اليوناني الذي يفصل بين الله و" الخالق"، بين الله وإله آخر من مستوى أدنى قد خلق.
كان الأقدمون يعتبرون المادة شيئاً منحطاً فلا يمكن لله أن يتّصل بها.
أما في المسيحيّة، فالله الآب الذي هو الصلاح وينبوع كل صلاح، قد خلق.
فالخليقة كلها مجموعة في نظرة الله، وموحّدة في يده.
هو أبو الانسان وأبو سائر الخلائق.
حين كنا نتكلّم عن الله، كن نشدّد على أزليّته تجاه العدم، على كيانه الذي هو علّة كل شيء.
واعتبر بعض الناس أن التوراة هي كتاب فلسفة تحدّثنا عن أصل الانسان، عن طبيعته المركبة من نفس وجسد.
أن التوراة تدرس الأمور القديمة حول تكوين الأرض في مراحلها الأربعة، ولا سيّما في الأخيرة منها، ساعة ذابت الثلوج وأحدثت الطوفان.
لا، لا نبحث عن مشاكل حول التطوّر في العهد القديم الذي يؤكّد قبل كل شيء وجود إله خالق.
فالانسان ليس كائناً ضالاً في العالم مثل النيازك في الفضاء.
وبما أن الله هو أصل كل ما وُجد، الكائنات الحيّة والكائنات الجامدة، فمن الطبيعي أن يعرف الانسانُ هذا العالم ويؤثّر فيه.
فالكون ليس بغريب كلّه عنا.
وحين ننظر إليه على أنه عمل الله، فكأننا ننظر إليه كأنه عطيّة إلهيّة تحيينا.
وحين ننظر إلى نفوسنا على أننا خليقة الله، نسمع النداء الذي تحويه الخليقة والذي يوجّهنا إلى الخالق.
فكل كائن مخلوق هو كائن مدعوّ من الله. آمــــــــــــين.
أحد مُبارك للجميع.
/الخوري جان بيار الخوري/