نكتشف غفران الآب الذي هو أكثر من عطيّة، الذي هو عطاء كامل تامّ.
غفران الله هو عمل به يخلقنا من جديد كما يقول ( مزمور ٥١ ) : " قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مُستقيماً جدِّد في أحشائي".
يخلقنا الله فيفتح أمامنا طريقاً من الحريّة والحياة والحوار.
فالاله الذي يغفر هو الاله الذي يخلق.
هذا ما جعل أوغسطينوس يتحدّث عن الخطيئة التي كانت لنا سبب خلاص عظيم.
خلقنا الله بشكل عجيب، وخلّصنا بشكل أعجب.
هذا هو الاله الغافر، هذا هو الآب الذي يحنو علينا حين نبتعد عن البيت الأبويّ.
إذا كان الله أباً، فنحن أولاده.
وإذا كنا أبناء، فيجب علينا أن نعيش كأبناء أحبّاء، أن نقتدي بالله، كما يقول بولس الرسول (رسالة أهل أفسس ١ / ٥ ).
وامتداداً لهذه البنوّة نفهم أننا إخوة بعضنا لبعض.
رفض الابن الأكبر أن يكون أخوه الضال الخاطئ أخاه، فذكّره أبوه بذلك.
وهو ما زال يذكّرنا لئلا نكون قاتلين مثل قايين الذي أبغض أخاه.
وفي النهاية، نكون كلّنا معاً في صلاة نرفعها إلى الآب.
فنقول له كما يقول الأبناء الأحباء: أبانا الذيم في السماوات.
قال مار بولس في رسالته إلى أهلِ روما : " وما دمنا أبناء الله، فنحن ورثة، ورثة الله وشركاء يسوع في الميراث".
جميع البشر هم أبناء الله.
ولكن ما الذي تعنيه كلمات يسوع لنيقوديمس حول الولادة الثانية من أجل الدخول في الملكوت (يوحنَّا ٥ / ٣ ) وما معنى كلام يوحنا حين يقول لنا في مطلع الانجيل إن الامكانيّة التي بها نصير أبناء الله.
هي عطيّة من يسوع المسيح ؟.
فإذا كنا مدعوّين لكي نصير أبناء الله، فهذا يعني أننا لسنا كذلك منذ ولادتنا.
من الواضح أن الله لا يصير أباً حين نصبح نحن أبناءه.
فهو أب منذ الأزل.
ولكن نصير نحن أبناءه حين يعطينا، في المعموديّة، روحَ ابنه.
منذ العهد القديم كان الربّ قد حدّث شعبه فقال: " تدعوني أبي ولا ترتدون من السير ورائي" (إرميا ١٩ / ٣ ).
فبالمعموديّة نحن نتيقّن أننا نلنا روح الابن.
لهذا يقول لنا ماربولس بأن لنا الجرأة على التقرّب إلى الله مطمئنين ( أفسس١٢ / ٣ ).
نتعامل مع الله كما الابن مع أبيه، مع الاكرام اللازم لهذا الاله الذي هو قريب وبعيد عنّا في الوقت عينه.
ما يعطينا إياه العماد هو أن نحدّد موقعنا من الله، نتعرّف إلى أبينا ونراه، نسمعه، نتكلّم معه.
وسيكون لنا بعض المرات أن نعارضه.
تلك هي العلاقة التي تكوّنها المعموديّة فينا.
لا شكّ في أن العلاقة بين الابن الذي صرناه والآب السماويّ الذي هو أبو يسوع، يجب أن تنمو على مثال نموّ يسوع في القامة والحكمة النعمة.
وكما أقيم يسوع ابن الله بقيامته من بين الأموات ( روما ٤ / ١ ).
كذلك تتمّ بنوّتنا عبر خبرة الصليب والقيامة.
إن كنا قد متنا معه فسنقوم معه.
في هذا المجال قال لنا يوحنا في رسالته الأولى: " أنظروا كم أحبَّنا الآب حتّى نُدعى أبناء الله.
ونحن بالحقيقة أبناؤه... نحن الآن أبناء الله، وما انكشف بعد ماذا سنكون.
نحن نعرف أن يسوع متى ظهر نكون مثله (أبناء) لأننا سنراه كما هو.
وقال لنا ماربولس في كلامه إلى كنائس غلاطية: " فأنتم كلكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنكم تعمّدتم جميعاً في يسوع فلبستم يسوع المسيح.
ولا فرق الآن بين يهودي وغير يهوديّ..." قد نكون أبناء هذا الشعب أو ذاك، ولكننا في النهاية أبناء الله.