إنَّهُ شهر النفوس المطهريَّة يَطلُّ علينا ، لِنُصلّي لِأجلهم.
الإنسان المؤمن الذي لا يخلو من شوائب أو هفوات أو بعض الدنس هل يدخل السماء مع الإنسان القديس فهذا لا يعقل فهل يدخل مثل هذا الإنسان إلى جهنم مع الأشرار والخطاة فهذا أيضاً لا يطاق ولا يعقل لما يحويه من ظلم… فماذا يكون المصير لهؤلاء؟ هل نقف عند هؤلاء ونتركهم دون أن نحدد لهم لا مكافأة أو ربح أو خسران وعتاب. ما مصير مثل هؤلاء؟ : المنطق هنا يقول بوجود حالة ثالثة يطلق عليها المطهر فيها تتطهر النفس البشرية من كل الأدناس والشوائب حتى يصبح عليها الملابس اللائقة بالوليمة والعرس والاحتفال ومع المنتصرين في السماء.
“وليس أحداً طاهراً من دنس الخطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الآرض” إشارة إلى الخطيئة الأصلية التي يولد الطفل وارثاً لحالة آدم فيها، وأنه لا سبيل إلى غفرانها إلا بموته مع المسيح في المعمودية المقدسة، التى أسسها الرب لينال بها المؤمنون استحقاقات الفداء بفعالية الروح القدس الذي يكسب المياه الطبيعية هذه الخاصية الروحية.
ومن هذا كله نرى أن التطهير بدم المسيح وحده، وأن الصلوات عن الراقدين لا قوة لها في ذاتها إلا من حيث استنادها إلى دم المسيح وعمل المسيح”
إن مخطط الله الأزلي للإنسان، هو أن جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون.
هذا الخلاص والحق في الإنسان هما دعوته للقداسة.
والقداسة هو أن يشارك الإنسان لله في محبته وسعادته.
ولكي يحقق الإنسان هذه الشركة لابد أن يكون على نفس مستوى محبة الله، ومَن في البشر يصل إلى هذا الحد من المحبة الكاملة؟ من اجل هذا كان المطهر.
فالمطهر: هو حالة تطهير النفس، من كل شوائب الخطيئة، ليصل الإنسان إلى كمال المحبة، حيث لا يدخل السماء نجس أو رجس.
المطهر هو نار الحب التي تُطهر، والإنسان يشترك في هذا التطهير بحريته، وكلما رأى نفسه قادر على التطهير والاقتراب من مجد الله، كان هذا فرح المطهر له.
ولأن المطهر هو حالة تكفير، فهو يبدأ على الأرض، مع الإنسان الذي يبدأ مسيرة توبته والتكفير عن خطاياه على الأرض.
في الكلام عن المطهر لابد من الخروج من الزمن، فهو لا يرتبط بزمان أو مكان، لا يجوز استخدام قبل وبعد.
ولكن الأفضل أن نقول أن المطهر هو شرط دخول السماء.
عقيدة المطهر نشأت لوجود، الصلوات من اجل الموتى في الكنسية من قديم الزمن، وليس العكس.
المطهر هو تكفير لأجل التطهير، هذا التكفير ليس ضد ولا يلغى كفارة المسيح على الصليب، ولكن يقول مار بولس الرَسول :
”أكمل ما نقص في جسدي من آلام المسيح”
هو اشتراك في كفارة المسيح، واشتراك الإنسان في خلاص نفسه.
المطهر هو لحظة الحقيقة، لحظة اكتشاف حقيقة النفس أمام قداسة الله.
الكلام عن الآخراويات، هو من اكثر الكلام الذي يواجه صعوبات، فهو لابد أن نخرج من الزمن.
لأنه لا وجود للكلام عن شئ ملموس أو محسوس.
وبالرغم من كل ما تتكلم فيه الكنيسة من عقائد وقضايا إيمانية، إلا إنها تبقى في مسيرة دائمة نحو الحقيقة.