إنَّهُ شهر النفوس المطهريَّة يَطلُّ علينا لِنُصلّي لأجلهم.
المطهر حالة تمرّ فيها أنفسُ الموتى في مرحلة تطهير للحصول على القداسة اللازمة من أجل الدخول إلى مجد السماء.
إنّها الفرصة الأخيرة التي يمنحها الله للبشر لينضمّوا في شِركةٍ كاملة معه.
فالمطهر إذًا هو الاهتداء الأخير بعد الموت.
ليست الطريقة التي يعيش بها المرء حياته خالية من الأهمية، وليس الموت اسفنجةً تمحي ببساطة كلّ الشرّ الذي ارتكبه الإنسان.
وقليلون هم الطاهرون في لحظة الموت إلى درجة الوصول مباشرةً إلى قداسة الله.
كما أنّ نعمة الله المخلّصة لا تتجاوزُ على العدالة.
عندما يموتُ الإنسان، يصبح خيارُ الحياة نهائيًا.
هناك أناسٌ عاشوا حياةً طاهرة وماتوا في نعمة وصداقة الله.
وتعلّم الكنيسة بأنّ هؤلاء الأشخاص يذهبون مباشرةً إلى السماء.
وعلى الطرف النقيض الآخر، هناك أناسٌ ماتوا بعد أن ارتكبوا خطايا كبيرة في حياتهم دون أن يتوبوا ويتقبّلوا محبة الله الرحومة.
هؤلاء يعبرون إلى حالةٍ من الإقصاء الذاتي والنهائي عن الشِركة مع الله، أي ما يُسمّى بجهنم.
من خلال ملاحظة الحالتين المذكورتين أعلاه، ليس صعبًا إدراك أنّ ايًّا منها لا يُعتبر الأكثر شيوعًا.
فقلبُ الإنسان يعيش في صراعٍ دائم مع محدودياته ومع رفضه في قبول محبّة الله بالكامل.
في رسالته الرسولية “بالرجاء مخلصون”، يقول البابا بندكتوس السادس عشر أنّ في أغلبية البشر “يبقى حاضرًا في عمق كيانهم، انفتاحٌ داخلي ونهائي على الحقيقة والحبّ وعلى الله“.
ولكن، في خيارات الحياة الواقعية، يُغطّى هذا الانفتاح على الله “بتواطؤاتٍ جديدة مع الشرّ – فالعديد من الشوائب تغطي الطهارة التي، رغم ذلك، تبقى مصدرًا لعطش الإنسان” (عدد ٤٥).
حتّى الذين يحاولون عيش حياتهم في صداقةٍ مع الله، ليسوا معفيين بالكامل عن التجاوزات والتقصيرات، سماتٍ لا تتوافقُ مع قداسة الله.
كم من مرةٍ نسمّي فضيلة ذلك الذي ليس في الحقيقة سوى عبادة لـ”الأنا”؟ كم من مرةٍ لا يكشفُ الحذر في التصرف عن شكلٍ من أشكال الجبن أو الغطرسة أو الجشع، أو لا يكشفُ عملنا للخير عن شكلٍ من أشكال التبذير.
كم من مرةٍ تسكنُ في قلوبنا الأنانية، الغرور، التكبّر، الإهمال، الخيانة؟
ويتساءل البابا: “ماذا يحدث لمثل هؤلاء الأشخاص عندما يمثلون أمام الديّان؟ هل ستصبح جميع الشوائب التي تراكمت في حياتهم عديمة الأهمية؟” (عدد ٤٤).
ويربط البابا بندكتوس السادس عشر هذا الموضوع بمسألة العدالة.
فنعمة الله – مساعدته المجانية – التي تخلّص الإنسان، لا تستثني العدالة.
فالنعمة ليست اسفنجة تزيل كلّ الشرّ المرتكب في العالم، بحيث يصبح لكلّ شيء في نهاية المطاف ذات القيمة (عدد ٤٤).
تداخلُ النعمة والعدالة يعلّم بأنّ “طريقتنا في العيش ليست أمرًا عديم الأهمية“، أي أنّ الشرّ الذي نرتكبه وخطايا البشر لا تُنتسى ببساطة. آمــــــــــــين.