هذا هو نداء الصوم : " تذكر يا انسان انك تراب والى التراب تعود".
دعوة الى انسحاق القلب، اعتراف بالخطايا، وتكفير بالصوم والاماتة والتقشف.
أذكر يا إنسان أنّك من التّراب وإلى التّراب تعود”، عبارة تُردَّد في إثنين الرّماد من كلّ عام لدى الكنيسة المارونيّة ويوم الأربعاء لدى اللّاتينيّة، إيذانًا ببدء الصّوم الأربعينيّ.
استطاع الموارنة في لبنان أن يجمعوا ما بين الشرق والغرب.
حيث أنّ الصوم يبدأ عند الشرقيين يوم الإثنين إلّا أنّه يبدأ نهار الأربعاء عند الغرب.
لكنّ رتبة الرماد ليست رتبة شرقية بل هي تقليد اتّخذه الموارنة من الغرب.
ويبدأ التحضير لهذه الرتبة منذ أحد الكهنة، حيث يحرق الكهنة أوراق الزيتون العائدة إلى زمن الشعانين السابق ويحتفظوا برمادها.
أنّ "الرماد يرمز أولًا إلى هشاشة الطبع البشري، كون الأغصان لا تستطيع مقاومة النار بل تحترق وتزول، وثانيًا إلى ضعف الإنسان مقارنة بالله الخالق".
أنّ الرمز الأساسي والأهم للرماد هو التوبة.
فخلال رتبة إثنين الرماد يمزج الكاهن في رعيته الرماد بالماء المبارك ومن ثمّ يبخره دلالة على التطهير من الخطايا.
ويرسم به في ما بعد إشارة الصليب على جباه المؤمنين ويردّد آية "أذكر يا إنسان أنّك من التراب وإلى التراب تعود".
"فالله أوجد الكون من عدم، لكنّه أوجد الإنسان من التراب، أو ما نسمّيه العفرة، وهي أسوأ أنواع التراب لأنها غير صالحة للزراعة.
وذلك لأنّ الإنسان بطبعه البشري ضعيف وهو يستمد القوة من الرب الذي نفح فيه الحياة وهو سيستعيد هذه النفس بعد موت الجسد وعودته إلى حالته الترابية".
"آدم ابتعد عن الله واقترف الخطيئة، ومن هنا الدعوة إلى التوبة".
وتجدر الإشارة إلى أنّ مدخل زمن الصوم الرسمي هو يوم أحد المرفع ولكن المدخل الفعلي للزمن الاربعيني هو الإثنين.
وفيه يرتدي الكهنة والكنيسة اللون البنفسجي الذي يعود إلى زهرة البنفسج وهي من أقرب الأزهار إلى الأرض ورمز للتواضع.
"صحيح إنو زمن الصوم زمن توبة بس ما تنسوا إنو هوي زمن فرح وبشارة بامتياز".
أُذكر يا إنسان أنّك تراب وإلى التّراب تعود، جاء على أوّلِ صفحات التّوراة، حيث نقرأ: "وجبل الرّبُّ الاله آدم تُراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسْمَةَ حياةٍ، فصار آدمُ نفساً حيّاً" ( تكوين ٢ / ٧ ). أُعْطِي هذا اليوم إسمَ إثنين الرّماد، نسبة للرّماد الّذي كان يُرشُّ على جبين الخطأة، أو أجسامهم وأهمّ فئة هم من قتل وزنى وسرق، وقرّروا التوبة عن أفعالهم ليبدؤوا أيام الصوم الجماعي والتهيئة للعماد ليلة سبت النور.
في مثل هذا اليوم كانوا، إلى جانب رش الرّماد عليهم، يرتدون ثوب توبة قاسٍ، من جلد الماعز أو الجمل، لكل هذه الفترة، كما فعل النبي يونان مع ملك وسكان مدينة نينوى، الّذين لبسوا هذه المُسوح ( يونان ٣ / ٦ )، فغفر لهم الله ذنوبهم وما عاد قاصصهم.
إن مادّة التجميل هذه غريبة لنا، فعادة ما نستعمل لمناسبة مُهمّة، أدوات تجميل أرقى وأنظف بل وأغلى ثمنا.
أما فلبداية الصّوم، التي ستقودنا إلى أكبر الأعياد الليتورجية والكنسية، فنستعمل عامل تواضع عميق، حتى لا نقول، عامل ذلٍّ واحتقار لذاتنا، لكنّه يبقى علامةَ عظمة، عند الّذي يفهم هذه الإشارة: من وَضَع نفسه رُفع، ومن رفع نفسه وُضع.
أما قالت مريم: حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين.
فهذه علامة المسيحيّين، أن يقوموا بالدّور المتواضع.
أما قام يسوع بهذا الدّور، حيث أنّه في خميس الأسرار ، قام وأخذ منديلا وجرّة ماء وغسل أرجل تلاميذه؟ وقال: أنا أعطيتكم مثلا، حتى يغسل كبيركم أرجل صغيركم؟! فلا نعجب من أمثال التواضع هذه المطلوبة منّا في بداية الصّوم، آمــــــــــــين.