الصوم عن تناول الطعام منذ منتصف الليل الساعة ١٢ لغاية ظهر اليوم التالي الساعة ١٢ ظهراً معناه الحصري الانقطاع٦ عن تناول الطعام.
مهما يقوم به المؤمنون، عدا ذلك، من إنقطاع عن التدخين وشرب القهوة والمشروبات وما شابه، من دون الإنقطاع عن تناول الطعام، يدخل في إطار العبادة الخاصة أوما يسمَّى بالإماتة.
أمَّا المعنى الروحي للصوم، فيرتبط بالحكم الذي أصدره الله بحقِّ آدم بعد الخطيئة وهو "بعرق جبينك تأكل خبزك"، بالتالي الانقطاع عن تناول الطعام هو اشتياق الإنسان إلى التخلُّص من هذا الحكم عن طريق التوبة والاستغناء عن أمور الدنيا للتفرُّغ لما هو للآخرة.
هذا الأمر مطلوب بشكل إلزامي يومي إثنين الرماد والجمعة العظيمة، إلاَّ اذا رأت السلطة الكنسيَّة خلافًا لذلك.
أمَّا مَن يصوم من إثنين الرماد لغاية سبت النور فأجره مقبول عند الله ويأتي فعله من باب الرغبة القلبيَّة بالأمر وليس من باب تنفيذ الوصيَّة فحسب.
هنا يبرز السؤال: كيف يحق لنا أن نصوم الإثنين والجمعة فحسب بينما تقول الوصية: "صُمْ الصوم الكبير وسائر الأصوام المفروضة"؟ الجواب: لمَّا كانت وصيَّة الصوم من وضع السلطة الكنسيَّة، من حقِّ الكنيسة تعديل الوصايا التي وضعتها، فهي التي تأمر وهي التي تنهي عن الأمر، وهذا الإعفاء لا علاقة له برغبة الشخص في العمل التقوي والصوم والصلاة طيلة أيَّام الصوم عملاً بكلام المسيح: "صلُّوا ولا تملُّوا".
أما بالنسبة للِقطاعة، ماذا تعني ؟، الانقطاع عن تناول اللحوم على أنواعها، سواء كانت من الطيور أو المواشي، وذلك كل يوم جمعة طوال الصوم عدا القطاعة المطلوبة طوال السنة، باستثناء الزمن الممتدّ من القيامة إلى العنصرة حيث يعفى المؤمن من القطاعة.
أمَّا المعنى الذي تعطيه الكنيسة للقطاعة فيقسم إلى قسمين: سبب تضامني اجتماعي، إذ تطلب الكنيسة أن يتضامن المؤمنون الميسورون مع الأشخاص الذين قست عليهم ظروف الحياة.
فيعطي الميسورون ما كان يجب أن يأكلوه من طيِّبات الأرض والحيوان يومي الأربعاء والجمعة، الى الفقراء، فيستفيد هؤلاء ولا يقعون في سوء التغذية، كما يستفيد أوَّلئك ولا يقعون في التخمة.
وسبب روحي، ذلك أنَّ القطاعة تعني اشتياق الإنسان إلى زمن ما قبل الخطيئة حيث كان آدم يقتات في الجنَّة من عشب الأرض وثمر الشجر، ولم يكن يزهق روح الحيوان ليعيش هو، من دون أن يكون تناول اللحوم خطيئة بحدِّ ذاته، لأنَّ الله حرَّرنا من هذه القيود في العهد الجديد وطلب إلينا أن نتناول جميع ما أعطاناه نباتًا كان أم حيوانًا.
وماذا نعني بالتَقويَّات والحياة الروحيَّة ؟ لمَّا كان الصوم زمن التوبة والتقوى بامتياز، مع أنَّ المطلوب من المؤمن أن يعيش هذه الفضائل طوال عمره، تطلب الكنيسة من أبنائها عيش هذا الزمن في القلب والنفس والعقل كما في الممارسات الخارجيَّة، كالصلوات الرعائيَّة وساعات السجود والسهرات الإنجيليَّة وزيارة المرضى ومساعدة المحتاج وكلِّ ما يساعد النفس على التخلِّي عمَّا يغرقها في أمور الدنيا، لترتفع إلى السماء توقًا لعيش ملكوت الله في هذا العالم، قبل دخول الفرح الدائم في العالم الآخر. آمــــــــــــين.