إن هذه الفترة التي نعيشها هي ليست مجرّد انقطاع عن المآكل، إنّما هي بدرجة أولى فترة تطهُّر، فترة فحص ضمير وتأمّل في حياتنا، ندرك أن برص الخطيئة يُبعدنا كلّ يوم عن الله، نصبح مثل هذا الأبرص، دون علاقة مع الله، لأنّنا بإرادتنا قرّرنا الإنفصال عنه وفَضَّلنا الشّر.
نجد أنفسنا منفصلين عن الكنيسة، جماعة القدّيسين، لأنّ الحياة المسيحيّة هي حياة سعي إلى القداسة، واختيار دائم لله في حياتنا.
وأخطر ما في الخطيئة هي أنّها تجعلنا ننغلق على ذواتنا، مِثل الأبرص في عزلته، تجعلنا نتقوقع على فقرنا وعزلتنا، على جراحنا وخطيئتنا، على تعاستنا ويأسنا.
نحيا في حالة موت دائم ونعلم أنّ حياتنا هي في المسيح وفي الجماعة، نعلم ولا نبادر، تنقصنا الشجاعة لنعترف بخطأنا، ونعود.
المسيح يريد أن يشفينا، ينتظرنا، كما انتظر كلمات الأبرص فلمسه.
الصوم هو تفتيش عن لمسة المسيح في حياتنا، ننالها من خلال معرفة محدوديّتنا وخطيئتنا، ننالها بفعل ثقة وإيمان.
كلّ واحد منّا يجد ذاته في صورة هذا الأبرص، إنّما كلّ واحد منّا يمارس قسوة الجماعة التي تفصل الخاطىء ايضاً.
كم من الأشخاص هم اليوم مثل هذا الأبرص في حياتنا وفي مجتمعنا؟ كم من الأشخاص نهمّش ونعزل؟ نترك الخاطىء خارج باب قلبنا، لأنّه خاطىء، نُهمّشه بحكمنا الفرديّ والجماعيّ، نزيد ألم جراحه بعزله.
كم من الأشخاص يموتون روحيّاً كلّ يوم لأنّنا نتركهم وحيدين؟ نعزلهم لأنّ في ماضيهم وصمة ما، نتحاشاهم لأنّهم قد اقترفوا خطأ ما، لأنّ المجتمع يَصِمَهم بوَصمة ما، وَصمة غفرها المسيح ولا نزال نذكرها نحن.
نعزل الآخر لأنّه مختلف، لأنّه يخالفني الرأي والمعتقد أو السياسة أيضاً؟ ننتقد مجتمع إسرائيل البدائي ومجتمعاعتنا المتمدّنة تمارس عزلاً وتهميشاً أخطر وأشمل: كم من فقراء يعانون الجوع والبرد؟ كم من أيتام وأرامل لا يُعارون اهتماماً؟ كم من مرضى في مستشفيات لا يزورهم أحد؟ كم من أشخاص حولنا يحتاجون الى مجرّد لمسة، الى كلمة تعزية وتشجيع، إلى أن نذكّرهم أنّهم ليسوا وحيدين في العالم، فالله إلى جانبهم من خلالنا؟ لا نخافنّ حُكْم المجتمع في وقفتنا إلى جانب من وصمه المجتمع بعلامة سوداء، فدينونة السيّد سوف تكون: "ماذا فعلت لإخوتي الصغار؟". آمــــــــــــين.