على أبواب عيد الميلاد المجيد، بعدما كان آدم الأوّل قد أفسد البشريّة بخطيئته.
يسوع ابن الله الذي صار إنسانًا هو مفصل التاريخ ومحوره.
إنّ الله جدّد العهد مع الشعب بعدمّا سقطوا عدة مرات في الخطيئة: ولكن أيضًا، نرى أنّ العهد القديم لم يتمكّن من أن يثبت.
بل كان العهد يسقط بسبب الخطيئة، ليتمّ تجديده من قبل الله.
لذلك بقي العهد القديم على ستّ سباعيّات.
أقامَّا الله مع الشعب"عهدًا جديدًا أقيم معكم" (إرميا ٣١/ ٣١).
العدد ستّة يرمز إلى النقص.
إذًا العهد القديم ناقص.
وهكذا يأتي يسوع ليكمّله.
المسيح هو السباعيّة السابعة لأنّه هو الكمال كلّه.
وهو يختصر في نفسه كلّ المشروع الخلاصيّ.
يأخذ يسوع مكان كلّ واحد منّا ويتمّ الخلاص من أجلنا.
لذلك يمكنني أن أقول أنّ المسيح تجسّد من أجلي أنا ومن أجل خلاصي.
من ناحية أخرى نرى كيف المسيح تجسّد فعلاً في ملء الزمن.
انتظرنا ستّة سباعيّات حتّى اكتملت.
وعندها أتى المسيح، السباعيّة السابعة.
هذا الأمر يعلّمنا الانتظار والصبر.
فالخلاص بحاجة إلى وقت ليتمّ.
ولكن في وقت الانتظار هذا، لا يتوقّف الله عن العمل.
هو ليس غائبًا، بل يتمّم ما يلزم حتّى بلوغ "ملء الزمن" الضروريّ للخلاص. نرى أنّ الله أرسل ملوكًا أبرارًا ليخفّفوا عن الشعب معاناته؛ ما يعني أنّ الله لم يغب عن شعبه في العهد القديم.
وبما أنّ يسوع هو السباعيّة السابعة، لا يمكننا إهمال أي قسم من السباعيّات السابقة، وإلاً سقط الرسم كلّه ولم يعد يسوع السباعيّة السابعة.
لنصل إلى السابعة نحن بحاجة إلى كلّ واحدة من الستّة السابقة.
هذا يعلّمنا انّه لا يمكن إهمال أي جزء من الكتاب المقدّس، بعهده القديم، وإلا لن نفهم عمق رسالة الإنجيل.
كلّ صفحة في الكتاب المقدّس هي ضروريّة في بناء إيقونة الخلاص التي رسمها الربّ الإله منذ فجر التاريخ حتّى اكتماله في نهية الأزمنة.
ميلاد يسوع المسيح ابن داود، ليس فقط بالمعنى البشريّ، بل بالمعنى المسيحانيّ.
فداود هو أوّل من سمّي "مسيح الربّ"، أي المختار من الله والمكرّس بالمسحة، الزيت المقدّس، لبناء شعب الله وبناء المملكة الّتي ترمز إلى الكنيسة وكانت تدعى "مملكة إسرائيل" في تلك الحقبة.
إلاّ أنّ مملكة إسرائيل تدمّرت في السبي، كما دمّر آدم جنّة عدن بالخطيئة.
ومن حينه لم يتمكّن اليهود من إعادة إعمار المملكة.
فوعدهم الله على لسان الأنبياء بمسيح آخر نهائيّ، يرسي أسس مملكة تدوم إلى الأبد.
فيسوع "ابن داود" هو الملك الأبدي الّذي يحقّق الخلاص بموته وقيامته، ويؤسس مملكته الأبديّة، الّتي هي الكنيسة ويجعلها "أداة الخلاص الشّامل".
وهو "ابن ابراهيم"، أبي المؤمنين الذي كان له الوعد الإلهي بذرّية كَرِمال البحر، عندما دعاه ليترك بيته وعشيرته وأرضه، ويذهب إلى مكان يريه إيّاه الله.
في شخص يسوع تحقّق الوعد إذ من موته وقيامته وُلدت الكنيسة الّتي تدوم إلى الأبد، وهي ذرّية المولودين من معموديّة الماء والرّوح، ذريّة مثل "رمال البحر"، لا تحصى عدًّا.
اسحق ابن إبراهيم هو رمز التسليم الكلّي لله، والثقة التي تفوق الموت.
فقد ربطه ابوه فوق الحطب ليقدّمه ذبيحة لله، كما أمره.
فلم يفتح الصبي فاه، وفيما استلّ إبراهيم السكّين وهَمّ بذبح ابنه، أوقفه الله، واستبدل الصبي بحَمَل وجده في العلّيقة على مقربة منه.
اسحق هو رمز يسوع المسيح الذي جاد به الآب السماوي، وقدّمه ذبيحة فداء على الجنس البشري، والآب نجّاه بقيامته من بين الأموات.
أما الحمل فظلّ ذبيحة الفصح طيلة العهد القديم.
اسحق يدعونا لئلا نخاف من التضحية في سبيل الله، فإن لها ثمارًا وفيرة نحن نجهلها.
والله وحده يعرفها في سرّ تدبيره.
فلا نسقط في تجربة الاستهلاكية بكل ابعادها.
يعقوب بن اسحق هو الضعيف بالنسبة لأخيه عيسو القوي البنية، ومحبّ الصيد في البراري.
هذا "الضعيف" منحه الله البركة، فأنجب اثنَي عشر ولدًا هم أسباط الشعب القديم إسرائيل الاثني عشر.
اسحق هو رمز يسوع المسيح الذي اختار اثني عشر رسولًا، وجعلهم أعمدة الكنيسة المعروفة بشعب الله الجديد.
يعلّمنا يعقوب أهميّة الاتكال على الله في إنجاب البنين، لأنّ الله يحقق بواسطتهم تصميمه الخلاصي.
ولا أحد يعرف الدور الذي رسمه الله لكل واحد وواحدة.
داود الملك المسيحاني هو رمز المسيح الملك الأبدي، كما رأينا.
باتّكاله على الله أسّس المملكة التي ستتحوّل مع المسيح إلى الكنيسة المنتشرة في أربعة أقطار العالم.
بتواضعه وطواعيّته للروح القدس كتب المزامير المئة والخمسين وهي أجمل صلوات يخاطب بها المؤمنون الله، وهي أفضل وأغنى صلوات الكنيسة.
لكن داود سقط في الخطيئة، إذ ضاجع بتشابع امرأة اوريّا.
هذا دليل على ضعف الإنسان وحاجته الدائمة إلى نعمة تسنده في ضعفه.
وقد نبّهنا بولس الرسول بقوله: "أيّها الواقف، إنتبه ألا تقع" ،( ١ كورنتس ١٠ / ١٢ ).
سليمان الملك، ابن داود، عُرف بحكمته.
لكن مع ابنه رحبعام انقسمت المملكة بين مملكة الشمال ومملكة الجنوب.
وظلّت المملكة منقسمة حتى مجيء المسيح، إذ كان اليهود لا يخالطون السامريّين، إلى أن تمّ اللقاء بين يسوع والمرأة السامرية، ثمّ مع السامريّين، وقد قضى معهم بضعة أيام.
هو الربّ يسوع يُسقط جدران العداوة والانقسام والنزاعات، ويعمل على إعادة الإلفة بين الناس عبر قلوب مُحبّة.
عيد الميلاد دعوة لنا للمصالحة والتآخي وعيش جمال الأخوّة.
أعطنا بنعمة روحك القدوس أن نسير إليك عبر دروب حياتنا اليوميّة. آمــــــــــــين.