لقد أصبح الله إنساناً ليحطّم كلّ انقسامٍ بيننا وبينه.
أصبح جزءاً من عائلةٍ، واختبر الحياة الإنسانية بكلّ أبعادها، من فرحٍ وألمٍ وحزنٍ، ومن نجاحٍ وإحباطٍ بين مَن اعترف بفضله ومَن أنكره وخانه ، فمنحَنا الفرصة للدخول في شركةٍ معه.
لقد أوضح لنا بالقدوة كيف نكون بشراً بالكامل ، حتّى نتمكّن من اتّباع مثاله ، فنشاركه في طبيعته الإلهية كأعضاءٍ متَّحدين في جسده السرّي.
إذا كان يسوع مثالُنا قد عاش الحياة العائلية على أكمل وجهٍ، فيجب أن تكون عائلاتنا متمثّلةً بعائلته المقدّسة.
لذا علينا ، في عيد الميلاد ، أن نعطي المزيد من الوقت للاهتمام بعائلاتنا ، كي تشهد للإيمان والقِيَم الإنجيلية ، كون العائلة هي حقّاً "كنيسة بيتيّة".
عائلاتٌ مقدّسةٌ في عالم اليوم.
تستطيع كلّ عائلةٍ مسيحيةٍ ، إذ تفتح قلبها ويوميّاتها وبيتها للربّ، أن تستقبل يسوعَ المسيح ، وتصغي إليه وتكلّمه، كي يباركها ويحميها من الضلال في طرق الحياة الوعرة ، فتنمو معه لتجعل العالمَ أفضل.
هكذا فعل أيضاً يوسف ومريم ، ولم يكن الأمر سهلاً: كم مِن الصعوبات وجبَ عليهما تخطّيها!.
يقول القديس البابا يوحنّا بولس الثاني: "من خلال تصميم الله الخلاصي، قضى ابن الله سنواتٍ طويلةً من الحياة الخفيّة في تلك العائلة.
لذلك فهو النموذج الأول والمثال لجميع العائلات المسيحية.
مرَّت حياته في صمتٍ في بلدةٍ صغيرةٍ.
لقد عاشت هذه العائلة مختلف أنواع المِحَن، مِن فقرٍ واضطهادٍ ونفي، ومجَّدت الله بطريقةٍ ساميةٍ ونقيةٍ لا مثيل لها.
وهي لن تفشل في مساعدة جميع العائلات في العالم على أن يكونوا أمناء لواجباتهم اليومية، وأن يتحمّلوا هموم الحياة ومِحَنَها، وأن يكونوا منفتحين وأسخياء على احتياجات الآخرين، وأن يتمّموا بفرحٍ ما يدبّره الله من أجلهم".
إنَّ عائلة الناصرة تدعونا إلى إعادة اكتشاف دعوة العائلة ورسالتها، وإلى أن نجعل الحبَّ سائداً، لا الحقد، وأن نجعل المساعدةَ المتبادَلَةَ أمراً مألوفاً يرفضُ عدم المبالاة أو العداوة.
لقد جئنا جميعاً إلى هذه الحياة ثمرة حبٍّ جمع بين والدينا، والإنسان الذي نحن عليه اليوم لم يُولَد من الخيرات المادّية التي قُدِّمت لنا، بل ممّا نَعِمْنا به من المحبّة والحنان في حضن عائلاتنا.
ربّما لم نولد في عائلةٍ استثنائيةٍ وخاليةٍ من المشاكل، لكنّ هذه هي حياتنا وجذورنا: إذا قطعناها، تجفّ الحياة!
بعد مضيّ أكثر من ألفي عام ونيف ، على تواضُع الربّ وتجسُّده في عائلةٍ ليعلّمنا جوهر العائلة وأهمّيتها كي يعيش أفرادها أواصر المحبّة والوداعة والتسامح فيما بينهم، لا تزال عائلاتٌ كثيرةٌ وأوطانٌ عديدةٌ تعاني من التمزّق والتشرّد بسبب الحروب العبثية والصراعات والفساد، حيث كرامة الإنسان وحقوقه المدنية والدينية مغيَّبة، ممّا ساهم في ازدياد هجرة أبنائنا وبناتنا الذين أُرغِموا على ترك أرض آبائهم وأجدادهم في لبنان والشرق الأوسط، فتشتّتت عائلاتنا في أصقاع المعمورة كلّها.
حيث لا تزال أعمال العنف تندلع بين الحين والآخر، ندعو إلى إحلال السلام والأمان في هذه الأرض الحبيبة لبنان أرض القداسة التي تباركت بميلاد الرب يسوع وإعلانه تدبيره الخلاصي فيها. آمــــــــــــين.