“شاهدن الحجر قد دُحرج ، وكان كبيرًا جدًا ، ودخلن القبر”. ( مرقس ١٦ / ٤-٥ ).
لم يُدحرَج “الحجر الكبير جدًا ” ، عن قبر يسوع بالسلاح والعنف ، بالرغم من أختامه وسهر الحرس عليه وضبطه لكي لا يأتي تلاميذ يسوع ويسرقوه ويقولوا أنه قام من بين الأموات ، كما طلب الأحبار والفريسيون من بيلاطس.
ولكن دحرجه الحبُ الإلهي الذي انتصر على البغض ، ودحرجته الحياةُ الأبدية التي انتصرت على الموت ، ودحرجه نور المسيح الذي بدّد الظلمات.
- أما دخول النسوة إلى القبر الفارغ حيث سمعن بشرى قيامة الرب من فم الملاك ، فهو دخول في سرّ الحب الخلاصي الذي أتمّه الله لنا بشخص يسوع المسيح.
- إننا نتوسل إلى المسيح القائم من الموت أن يدحرج بقوة حبّه ، الذي يسكبه في القلوب النقية ، “الحجر الكبير” عن صدر لبنان واللبنانيين ، وعن صدور دول الشرق الأوسط وشعوبها. فتنفتح أبواب السلام، وتُحلّ عُقد النزاعات ، وتنعم الشعوب بطمأنينة العيش. ونلتمس نعمة الدخول بتواضع في عمق السرّ الإلهي لخلاص نفوسنا وخلاص مجتمعنا ووطننا وسائر الأوطان.
في هذا الأحد المُبارك نتقدّم بالتهاني القلبية والأدعية الحارّة والتمنّيات الخالصة بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات ، إلى جميع أولادنا الآحباء.
وإلى الربّ يسوع فادينا ومخلّصنا القائم من بين الأموات، الحيّ أزلاً وأبداً ، نتضرّع كي يفيض على العالم بأسره نِعَمَه وخيراته وبركاته ، فيشعّ نوره وسط الظلمات التي تحيط بنا ، وتعمّ النعمة ويغلب الخير ، ويزول الخوف واليأس ، ويبطل الموت والخطيئة ، ويغيب البغض وتُدفنَ الكراهية ، ويسود فرحُ الحياة والطمأنينة بدل الألم والحزن ، وتحلّ المحبّة والرجاء والسلام.
فالقيامة هي عربون الحياة الجديدة والغلبة بالرب يسوع ، مَعين كلّ صلاحٍ، ومنبع السلام والأمان في المجتمعات والأوطان.
القيامة عيد الخليقة الجديدة نفرح ، نحن المؤمنين ، كلّ عامٍ بنوعٍ خاص في عيد القيامة ، لأنّ المسيح لم يبقَ في القبر ، بل قام منتصراً في اليوم الثالث ، إذ لم يعرف جسده الفساد.
- ولكن لماذا قام ؟ ولماذا نفرح ؟ هل فكّرنا بذلك ؟
يقول البابا بنديكتوس السادس عشر : " إنّ عيد القيامة هو عيد الخليقة الجديدة. لقد انفتحَ بُعْدٌ جديدٌ للبشرية. أصبحَت الخليقة أعظم وأكبر".
" إنّه حيّ! " (لوقا ٢٤ /٢٣ ).
لم يبقَ يسوع داخل القبر ، " مثوى الأموات "، بل تجلّى جسدُه في نور الحياة.
قام يسوع ولن يموت من بعد ، فيسوع ينتمي إلى عالم الأحياء لا إلى عالم الأموات.
لقد فتح لنا البابَ لحياةٍ جديدةٍ ، فلا نستسلم للمرض والموت.
قادَ بنفسه بشريتنا إلى الله ، وبقيامته حرَّرها من نير الخطيئة ، لنعود إلى بنوّة الآب السماوي.
لذلك نفرح ، ونفرح أيضاً لأنّنا واثقون بأنّ " المسيح هو هو ، بالأمس واليوم وإلى الأبد" ( عبرانيين ١٣ /٨ ).
فمع يسوع ، الكلمة الأخيرة ليست للموت ، بل للحياة.
لنسمع مار بولس : " أقول لكم أيّها الإخوة ، لا يمكن للجسد والدم أن يَرِثا ملكوتَ الله " ( ١ كورنتوس. ١٥ / ٥٠ ).
ولكنّه يؤكّد لنا مراراً : مع المسيح أصبح كلّ شيءٍ ممكناً ، وبقيامته أضحى لحياتنا معنىً آخر في تجديد الروح القدس ، لأنّ قيامة الفادي هي عربون لقيامتنا وسعادتنا.
وفي هذا السياق ، كتب ترتليانوس في القرن الثالث : "اطمَئِنّ ، أيّها الجسد والدم ، بالمسيح نلتَ مكانكَ في السماء وفي ملكوت الله".
- كان المسيح متَّحداً مع الله الآب ، فأصبح معه كياناً واحداً. عانق مَن هو الحياة. وحياته لم تكن ملكاً له وحسب ، بل دخلت في شركةٍ وجوديةٍ مع الله الآب ، ولذلك أشعَّت حبّاً وخلاصاً على المسكونة ، فتغلّبَ بقوّة محبّته على الموت.
لقد اتَّحَدَ حبّه بحبّ الآب ، وهكذا من أعماق الموت استطاع أن يرتقي إلى الحياة ، وهو الآن يرفعنا من الموت إلى الحياة الحقّة. عندما نعيش في شركةٍ مع المسيح ونتّحد به ، ننال الحياة الأبدية ، إذ هو الحقيقة والمحبّة ، وهو الله نفسه. آمــــــــــــين.