HTML مخصص
01 Mar
01Mar

بعد ثلاثة أيام من إعتماد الرب يسوع في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان ، افتتح حياته العلنية بالمشاركة مع تلاميذه ومريم امه في عرس قانا الجليل واجرى آية تحويل الماء الى خمر ممتاز .


الآية هي علامة العهد المسيحاني الذي يصنع كل شيء جديداً بالكلمة ونعمة الفداء.

مع المسيح كل قديم يمضي.


يطل يسوع كأدم الجديد ، ومريم كحواء الجديدة ، وتبدأ ولادة جديدة وخلق جديد.

لهذا السبب اختارت الكنيسة انجيل هذه الآية في مدخل الصوم الكبير للدلالة انه زمن التغيير استعداداً لولادة فصحية جديدة : تغيير في العلاقة مع الله بالصلاة والتوبة من اجل استعادة البنوّة له ؛ وتغيير في العلاقة مع الذات بالصوم والاماتة من اجل التحرر من كل ما يعيب هذه البنوة وصورة الله فينا ؛ وتغيير في العلاقة مع الناس باعمال الرحمة والمحبة والتصدق من اجل ترميم الاخوّة الشاملة.

مثل هذا التغيير ، بوجوهه الثلاثة ، لا يجريه الاّ المسيح الفادي ، بقدرته الالهية وحلول الروح القدس ، بتشفع مريم امه وام البشرية جمعاء. 


هذا ما تدل عليه معجزة تحويل الماء الى خمرة جيدة في عرس قانا الجليل، فالاعجوبة علامة.


مريم المرأة هي " عروس المسيح"، الكلمة المتجسد: " هلمي معي من لبنان ايتها العروس! هلمي معي من لبنان، من مرابض الاسود، من جبال النمور".


في عرس قانا الجليل يتجلى " عرس يسوع ومريم" اللذين حققا تحويل الماء الى خمرة جديدة، رمز العبور من العهد القديم الى الجديد، وكأن مريم ام يسوع "تعمل" كعروس الكلمة المتجسد، رأس شعب الله الجديد، هذا الذي يمثله التلاميذ الاول الحاضرون في العرس، وقد رأوا مجده فآمنوا به".

ومريم هي بالتالي ام هذا الشعب الجديد، الذي هو الكنيسة.

وهكذا عرس قانا يصبح، في الرمز، العرس الخلاصي، عرس محبة المسيح للبشرية، في العهد الجديد؛ وهو عرس لا يتحقق من دون مريم، ام النعمة والرحمة.

ان كل تقليد الكنيسة ينقل لنا هذا التفسير.

في آية قانا رمى يسوع اول زرع لعرس حبه الروحي الذي اراد الاحتفال به مع البشرية جمعاء، مفتدياً اياها وموحدها في كنيسته.

في هذا العرس مريم حاضرة وتتوسط لاجراء المعجزة، لكونها ام الشعوب،  ولأن "جميع الشعوب تطوبها".

سيكتمل العرس بعرس الحمل الالهي في السماء، حيث تتحول آلامنا الى خمرة حب في السعادة الابدية.

وهكذا في عرس قانا تتمثل ثلاثة اسرار: المعمودية (بالماء)، والافخارستيا (بالخمر)، والزواج (بالعرس).

لولا وساطة مريم لما كانت الآية، ولما كانت كل معانيها.

كُتب الكثير عن جواب يسوع" ما لي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد"، وعن كلمة مريم " افعلوا ما يقوله لكم".

ينبغي ان نفهم ذلك انطلاقاً من فهم مريم لا من فهمنا نحن للالفاظ: بالنسبة الى فهم مريم، فقد شعرت بان المعجزة آتية لا محاله، لانها تعرف يسوع في العمق، وعايشته ثلاثين سنة في الناصرة، واختبرت  قدرته على العجائب. 

ولذلك قالت  ببساطة: " افعلوا ما يقوله لكم".

هي مريم الوسيطة التي "تقف بين ابنها يسوع والبشر في واقع ما يعانون من حرمان وفقر وألم. 

انها تتخذ لذاتها مكاناً " في الوسط"، اذ تقوم بدور الوسيط، ليس من الخارج، بل من موقع امومتها، مدركة قدرتها على ان تعرض لابنها حاجات البشر او بالاحرى حقها في ذلك.

وساطتها تحمل طابع الضراعة: " مريم تضرع" لاجل البشر (البابا يوحنا بولس الثاني: ام الفادي،٢١ ).

بسبب تشفع مريم، ظهر الكثير في آية عرس قانا: ايمان مريم الكبير بابنها، ومحبتها للعروسين، وقدوتها للتلاميذ، وحب يسوع لامه، وجودته وقدرته ومجده، وايمان التلاميذ الاول. 

وظهرت بنوع خاص قدرة مريم ام يسوع بحيث ان الله يستجيب كل طلب يصل اليه بواسطة مريم، ويجعل " ساعة" تدخله في تاريخ البشر " ساعة " وساطتها.

ولهذا سمتها التقوى المسيحية "اماً قديرة"  و" ام المعونة الدائمة".

فكما بكلمة  نعم: " ليكن لي حسب قولك"، يوم البشارة، فتحت الابواب لتجسد الكلمة، وكانت الباب الذي عبر من خلاله ابن الله من السماء إلى الارض، كذلك، بوساطتها في عرس قانا، نالت استباق " ساعة" ظهور يسوع المسيحاني، فقدمته لجميع الناس ، واستباق ولادة الكنيسة من  "ساعة" يسوع على الجلجلة بصلبه، هذه الكنيسة التي ستوزع اسرار الخلاص وتعطي خمرة المسيح في الافخارستيا.

مريم نفسها تلهمنا كل يوم " لان نفعل ما يقول لنا يسوع"، لكي نحصل على ما نلتمس بواسطتها من خير ونعم.

في قانا استهل يسوع " ساعته" بفضل ضراعة مريم وطاعة الخدام، وظهرت مريم امام البشر وكأنها الناطق باسم ابنها، تعبّر عن ارادته وترشد الى ما يقتضيه تجلي قدرة المسيح الخلاصية  (ام الفادي،٢١ ). آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.