HTML مخصص
03 Mar
03Mar

في بداية الصّوم، يوم "إثنين الرّماد"، نتقدّم لوضع علامة التّوبة (الرّماد) على جباهنا حيث يقول الكاهن وهو يضعه على شكل صليب: "أُذكر يا إنسان أنّك تراب وإلى التّراب تعود".

فدعوة الله ملحّة لخلاصنا وسعادتنا الحقيقيّة.

بدأنا بهذا الصوم يوم قبلنا وسم الصليب بالرماد على جباهنا في صباح اليوم الأوّل من الصوم الكبير، المعروف بإثنين الرماد. 

بهذه العلامة أقرّينا "أنّنا تراب وإلى التراب نعود".

أقرّينا أنّنا ضعفاء وسريعو العطب، وأنّنا بحاجة إلى أن يحيينا الله بروحه القدّوس معطي الحياة، ويجدّد خلقنا، مثلما فعل في الخلق الأوّل إذ "جبل الربّ الإله الإنسان ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة".

لا شكّ عندنا في أنّ المؤمنين  يتهافتوا إلى الكنيسة ليتبرّكوا بوسم الصليب من رماد على جباههم، ويأخذوا من الرماد المبارك إلى بيوتهم لمرضاهم والمسنّين، كعلامة لتوبتهم عن خطاياهم.

نقول "علامة" للتأكيد أنّ الحاجة تبقى إلى التقرّب من سرّ الاعتراف سرّ التوبة لله عن خطايانا بواسطة الكاهن الذي باسم الثالوث القدّوس وبالسلطان الكهنوتيّ المُعطى له يمنح الغفران للخطايا المعترف بها.

فكما أنّنا بالتواضع نحني رؤوسنا ونقبل وسم الرماد المبارك، كذلك بالتواضع عينه ننحني أمام الكاهن خادم السرّ المقدّس لنتصالح مع الله ومع ذواتنا ومع بعضنا البعض.

عندئذٍ تتمّ فينا كلمة أشعيا النبيّ: 

"لأمنح التائبين التاج بدل الرماد، وزيت الفرح بدل النوح، وحلّة التسبيح بدل الإعياء".

في اليوم الأوّل من الصوم، بدأنا المسيرة من "الرماد إلى الحياة" بفضل تقشفات الصوم، ورجوع القلب إلى الله بالتوبة والمصالحة والشفافيّة والابتعاد عن الازدواجية التي يمقتها الربّ يسوع.

إنّنا بذلك نلبّي دعوة بولس الرسول الملحّة:

"نحن الآن سفراء المسيح، ووضع فينا كلمة المصالحة، كما أنّ الله يدعوا المؤمنين  على يدنا، فنحن الآن نستحلفكم أن تصالحوا الله، لأجل المسيح، الذي لم يكن يعرف الخطيئة، وقد جعله الله خطيئة لأجلنا، لنصير به برَّ الله".


عندما نتصالح مع الله في سرّ التوبة، نتذوّق قيمة المغفرة والمصالحة، ونشعر أنّنا بحاجة إلى المصالحة مع الآخرين.

في صلاة الأبانا التي علّمها الربّ يسوع لتلاميذه ونحن نتلوها كلّ يوم، حيث نصلّي :

"أغفر لنا ذنوبنا، كما نحن نغفر لمن خطيء  إلينا … فإن تغفروا للناس زلّاتهم، يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضًا، وإن لم تغفروا للناس، فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلّاتكم".

وعند تقدمة الذبيحة لله، يعتبر الربّ يسوع أنّ المصالحة أهمّ من الذبيحة، بل تجعلها مقبولة من الله.

فيقول :

"إذا كنت تقدّم قربانك على المذبح، وتذكّرت هناك أنّ لأخيك عليك حقدًا، فدع هناك قربانك على المذبح، واذهب أوّلًا فصالح أخاك، ثمّ عد وقرّب قربانك". 

وقال في موضع آخر :

"أريد رحمةً لا ذبيحة".

ولمّا سأله بطرس :

"كم مرّة، إذا خطئ إليّ أخي، أغفر له، أإلى سبع مرّات؟"

فقال له يسوع: 

" لا أقول لك إلى سبع مرّات، بل إلى سبعين مرّة سبع مرّات!". 

بهذا الجواب أكّد الربّ يسوع أنّ المصالحة هي مصدر الفرح الحقيقيّ على قلب من يصالح وقلب من يتقبّل المصالحة، وبخاصّة على قلب الآب السماويّ القدوّس.

وهذا ما يؤكّده الربّ يسوع في معرض حديثه عن الفرح في السماء بعودة خاطئ يتوب.

في مثل إيجاد الخروف الضّال، وفي مثل إيجاد الدرهم الضائع، وفي مثل عودة الإبن الضال.


الصيامُ هو الإمتناع عن الطعام من نصف الليل حتى الظهر، مع إمكانيّة شربِ الماء فقط، من إثنين الرماد حتّى سبت النور مساءً، باستثناء الأعيادِ التالية: 

مار يوحنّا مارون ،الأربعون شهيدًا، مار يوسف؛ وشفيع الرعيّة؛ وباستثناء السبت والأحد من كلّ أسبوع، بحسبِ تعليمِ القوانينِ الرسوليّة (سنة ٣٨٠). 

ففي السبتِ تذكارُ الخلق، وفي الأحد تذكار القيامة.

تستثني هذه القوانينُ سبت النور، "لأنّ اليومَ الذي كان فيه الخالقُ تحتَ الثرى، لا يحسنُ الإبتهاجُ والعيد، فالخالقُ يفوقُ جميعَ خلائقِه في الطبيعةِ والإكرام".

القطاعة هي الإمتناع عن أكلِ اللَّحمِ والبياضِ طيلة الأسبوع الأول من الصوم، وأسبوع الآلام، وفي كلِّ يومِ جمعة على مدار السنة، ما عدا الفترةَ الواقعةَ بين عيدَي الفصحِ والعنصرة، والميلاد والدنح، والأعياد الليتورجيّة الواجبة فيها المشاركة بالقدّاس الإلهيّ مثل: الميلاد، والغطاس، وتقدمة المسيح إلى الهيكل، ومار مارون، ومار يوسف، والصعود، والرسولين بطرس وبولس، وتجلّي الربّ، وانتقال العذراء إلى السماء، وارتفاع الصليب، وجميع القدّيسين، والحبل بلا دنس، وعيد شفيعِ الرعية.

يُعفى من الصَّوم والقطاعة على وجهٍ عامّ المرضى والعجزة الذين يَفرِض عليهم واقعهم الصِّحيّ تناول الطَّعام ليتقوَّوا وخصوصًا أولئك الذين يتناولون الأدوية المرتبطة بأمراضهم المزمنة والذين هم في أوضاعٍ صحِّيَّةٍ خاصَّةٍ ودقيقةٍ، بالإضافة إلى المرضى الذين يَخضَعُون للاستشفاء المؤقَّت أو الدَّوريّ. 

ومعلومٌ أنَّ الأولاد يَبدَأون الصَّوم في السَّنة التي تلي قربانتهم الأولى، مع اعتبار أوضاعهم في أيَّام الدِّراسة.

هؤلاء المعفيُّون من شريعة الصَّوم والقطاعة مدعوُّون للاكتفاء بفطورٍ قليلٍ كافٍ لتناول الدَّواء، أو لمتابعة الدروس إذا كانوا تلامذةً وطلاباً.

المعفيّون مدعوون للتعويض بأعمال خير ورحمة ومحبّة.  

تُمارس القطاعة خارج زمن الصوم الكبير بحسب العادة التقويّة، القديمةِ العهد، والمُحافظِ عليها في جميع الكنائس الشرقيّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، استعدادًا لأعياد محدّدة وحصرنا كلّ واحدة بأسبوع تسهيلاً للمؤمنين، وهي: 

قطاعة ميلاد الربِّ يسوع، من ١٦ إلى ٢٤ كانون الأوّل، وقطاعة القدّيسين الرسولين بطرس وبولُس من ٢١ إلى ٢٨ حزيران، وقطاعة انتقال السيّدةِ العذراء إلى السماء من ٨ الى ١٤ آب.


أما الصوم القربانيّ فهو الامتناع عن تناول الطعام ابتداءً من نصف الليل قبل المناولة أو على الأقلّ ساعة قبل بدء القدّاس، استعدادًا للاتحاد بالربّ بمناولة جسده ودمه.

الصوم الكبير هو "الزمن المقبول" لدى الله.

ولكونه زمن المصالحة بامتياز، فإنّا ندعو للصلاة إلى الله لكي نتعلّم منه، وقد صالحنا بموت ابنه يسوع فداءً عن خطايانا، كيف نعيش بدورنا فرح المصالحة معه، ومع بعضنا البعض، ومع إخوتنا في حاجاتهم. آمــــــــــــين.



/الخوري ل بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.