HTML مخصص
09 Apr
09Apr

يقولون بعض الأشخاص أنا حُرّ ، وهل  يَتَمَحْوَرُ حَولَ مَعنى عَيشِ حُريَّةِ الإنسانِ بَعيدًا عَنِ اللهِ وعَنْ رَحْمَتِهِ وغُفرانِهِ وعَنْ مَكانةِ الخَطَأةِ في تَدْبيرِهِ الخَلاصّي هذا الإلهُ الذي جاءَ مِنْ أجْلِ جَميعِ الخطأةِ لا لِيَسْحَقهُم وَيَحْكُمَ عليهم فيَسْتَعْبِدَهُم بَلْ لِيَأخُذَهُم بَين يَدَيْهِ وَيَحْمِلَهُم إلى بيتهِ حيث يَفرحُ المَلائِكَة بَتَوبَتِهِم.

لا أحدَ يَسْتَطيعُ أنْ يَتَخَلّصَ مِنْ قُوَّةِ الحُبِّ التي تأتي مِن الآبِ في الرُّوحِ القُدُسِ عَبْرَ الإبْنِ الوحيد.

فالرَّبُّ هو لِكُلِّ إنسانٍ نَبْعُ الحَياةِ والنورِ بِالرُّغمِ مِنْ كُلِّ قِوى الخَطيئة والمَوتِ والظلمَةِ الحاضِرَةِ فينا.

إنّهُ الإلهُ الذي نزلَ إلى عُمقِ الهاويةِ التي حَفرَتْها خَطايانا لِيُخْرِجَنا مِنها.


ولكِّنّ الإنسان يُريد الحُريَّة على مزاجه ومفهومه الخاطىء مِما يَدفعُهُ ليكون حُرّاً وهذِهِ الرَّغبَة باتتْ تدُلُّ على نزعَةٍ في الإنسانِ الذي يُريدُ مَوتَ اللهِ كما قال الفيلسوفُ الألمانيُّ نيتشه :"لكي يَكون الإنسانُ حُرّاً ، على اللهِ أنْ يَموت" ولهذا قال : "لقد ماتَ الله".

وهذا ما يُؤكّـِدُهُ البابا القدّيس يوحَنّا بولس الثاني عندما يقول : 

"إنَّ إنسان القرنِ العشرين باتَ يَحلمُ بِرَغبَةِ التفرُّدِ والمَنفعَةِ الخاصَّةِ والإستقلاليَّة".

ولكن مهما كبُرَتْ وَعَظـُمَتْ خَطيئة ُ الإنسانِ تبقى لهُ تِلك الكَرامَة الإنسانِيَّة وهيَ صورَةُ اللهِ ومِثاله التي ترْفعُهُ فوق هذا المُسْتوى لِلحَيوان فالخطيئة هِيَ الحَنينُ إلى العَدَمِ والخواء.

هذا ما وصل إليه آدمُ وحَوَّاءُ عندما انفصَلا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ وخلاصِهِ.

فالخَطيئة هيَ رَفضٌ لِلسَيْرِ في المَحَبَّة.

لذلك هُناك شَيئانِ ضَروريَّانِ لِلنَدامَة: مَعْرِفة مَحَبَّةِ اللهِ واختبارُ غُفرانِه.

فالمَقدِرَةُ على عدمِ الوقوعِ في الخطيئةِ ثانية تأتي مِنْ إدراكِ هذين الأمْرَين : محَبَّة اللهِ واختبارُ عُمْقِ مَحَبَّتِه.

الخطيئة هِيَ في الإرادَةِ إنَّها الإختيارُ المُتعَمَّدُ بين نفسي وبين الله.

إنَّ اختبارَ شَقائي خاطئـاً  شَرْطٌ ضروريٌّ لكيْ أختبِرَ الله مُخَلّصاً  وأدْرِكَ غُفرانَهُ وَمَحَبَّتهُ غيرَ المَشروطة.

لذلك كُلّما كانتْ خطايانا كثيرةً عَظمَتْ مَحَبَّة اللهِ الغافرَةِ لنا التي نَختبِرُها والتي تجْعَلنا في النتيجةِ نُحِبُّ أكثر.

قالَ يسوع لِلمَرأةِ الخاطئة : " ولا أنا أحكم عليك " ، " فإنَّ الله لمْ يُرْسِلْ ابنَهُ إلى العالمِ لِيَدين العالم ، بلْ لِيُخلّصَ بِهِ العالم ". 

مار بولس الرسُول قال  : " لقد ماتَ المَسيحُ بَدلاً عنّا حتى لا نموتَ بِسَبَبِ خَطايانا ".

فليسَ اللهُ هوَ مَنْ يَرْفُضُ أنْ يَغْفِرَ لنا لأنَّ غُفرانَهُ حاضِرٌ كُلَّ حين وعلينا أنْ نقبله.

عندما لا نكون أوفياءَ يظلُّ اللهُ وفيًّا وعندما نَبْتعِدُ عنهُ يُحاولُ أنْ يُعيدَنا إليه بِكُلِّ الأساليبِ والطرُقِ المُتنَوِّعَة.

يبدو لنا اللهُ غائِبًا ، وهذا ما يَجْعَلنا نَتألّم.

هذِهِ المُعاناةُ تقودُنا إلى الإرتدادِ وتشُدُّنا وتُقوِّينا في علاقتِنا به. 

لقد جَعَلتْنا الخطيئة نُدْرِكُ كمْ نحنُ مُحْبوبون وأيْقنّا أنَّ الله لنْ يَكُفَّ عَنْ حُبِّنا وهذا ما يَخْلق فينا الإرتدادَ والتّغييرَ والشِفاء. 


فالمَحَبَّة وَحْدها قادرَةٌ على تغييرنا وشِفائِنا.

فالله يُريد أنّ يَكْشِفَ لنا عَنْ نَزْعَةٍ مُتأصِّلةٍ في كُلِّ البَشَريَّةِ وعنْ رغبَةٍ دفينَةٍ في كُلٍّ مِنّا.

كُلُّ إنسانٍ يُريدُ أنْ يكون حُرًّا وهُناك شيءٌ يُطلِقُ العَنان لهُ ويُريدُ أنْ يُحَقـِّـقهُ في ابتعادِهِ عَنِ الله.

إلاّ أنَّ تجربَة الحُريَّةِ بدونِ اللهِ تصلُ بنا إلى الحائِطِ المَسدودِ وتقودُنا إلى خُسرانِ بُنوَّتِنا وهَويَّتِنا وهَدْرِ وَسَحْقِ كرامَتِنا البَشَريَّةِ والإنحطاطِ في قيمتِنا المَخلوقةِ على صورَتِه ، بينما الإنسانُ هو القيمَة المُطلقة في الوجود.

حيث تكونُ الخطيئة يَحْدُث ُ الجوعُ والعَوَزُ والفاقة.

لذلك يُرَدِّدُ صاحِبُ المَزامير :

"مِنْ غضَبِكَ لا صِحَّة في جَسَدي ومِنْ خطيئتي لا سَلامَة في عظامي" ( مزمور  ٣٨ ).

بابتِعادِنا عَنِ اللهِ نَتعَرَّى ونَخْسَرُ كُلَّ شيء.

نخْسَرُ كرامَتنا وهوِّيتنا وكُلَّ قيمَتِنا الإنسانيَّة ، وتجْعَلنا نَرْزَحُ تحْتها لأنّنا لا نستطيعُ احتمالها : 
"أثامي جاوَزَتْ رأسي وثقلت كحملٍ أثقلَ مِنْ طاقتي... إنحَنَيْتُ جِدّاً وتحَدَّبْتُ وبالحِدادِ طوال النّهارِ مَشَيْتُ " (مزمور ٣٨ / ٧ ).

هذا ما تحْمِلهُ الخَطيئة أنْ نعيشَه ، إلاّ أنَّ الله يَرُدُّ لنا كرامَتنا عندما نَتوبُ ونَرْجِعُ إليه فهو يَظلُّ يَخلقُنا ويَصْطادُنا ويَبْدأ عهدَهُ مَعنا مِنْ جَديد :

"هكذا يحكمُ الآبُ وهكذا يُصلِح ، يُعطي قبلة ً بدلَ العِقاب ، لأنَّ قوّةَ المَحَبَّةِ لا تعتبر الخَطيئة".  

الله لا يغيّرُ تفكيرَهُ فينا عندما نرْتكِبُ الخطيئة ، والخطيئة لا تغيّرُ كياننا. آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.