سنّ الربّ يسوع شريعة الصوم بصومه أربعين نهاراً وأربعين ليلة ( متى ٤ / ٢ ) «لم يأكل شيئاً في تلك الأيام، ولما تمّت جاع أخيراً» (لوقا ٤ / ١ و ٢ ).
ولم يكن الربّ يسوع المسيح بحاجة إلى صوم وإنما صام ليعلّمنا الصوم ، وأعطانا هذه الفريضة مبيّناً لنا قوتها الروحية خاصة إذا قرنّاها بالصلاة، فيغدو الصوم مع الصلاة سلاحاً روحياً ماضياً ، يفتك بعدونا الروحي إبليس وجنده ، وقد كشف لنا الرب ذلك بقوله : " وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم "، (متى ١٧ / ٢١ ).
وفي معرض ردّه على سؤال تلاميذ يوحنا ، الذين اعترضوا على عدم صوم تلاميذه ، قال الرب :
"هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم ، ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا ، ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام".
واعتبر كلام الرب هذا تفويضاً منه إلى تلاميذه لتحديد مواعيد الصيام.
وبناء على هذا التفويض ابتدأ الرسل الأطهار ، والتلاميذ الأبرار بالصوم بعد صعود الرب إلى السماء ، فصاموا في مناسبات شتّى وبأساليب متنوعة ونقرأ عنهم في سفر أعمال الرسل ما يأتي :
"وبينما يخدمون الربّ ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما".
ومار بولس الرسول يفتخر بحرصه على ممارسة فريضة الصوم بقوله :
"في كل شيء نظير أنفسنا كخدام اللّه في أتعاب في أسهار في أصوام".
وإن الربّ يسوع الذي فوّض إلى رسله القديسين ممارسة الصيام حين رُفع عنهم العريس السماوي ، أي بعد صعوده له المجد إلى السماء ، فوّض إليهم أيضاً بإلهام روحه القدوس ، تقديس يوم الأحد بدلاً من السبت اليهودي ، وانتخاب الأساقفة والكهنة والشمامسة وطريقة رسامتهم أي تكريسهم بوضع الأيدي عليهم ، أي القيام بطقس رسامتهم الكهنوتية ، كما أن روحه القدوس الذي حلّ عليهم يوم الخمسين يوم أحد العنصرة ، ألهمهم بتنظيم الطقوس وخدمة أسراره المقدسة الضرورية لتدبير كنيسته.
وكان الرب قد بيّن كيفية الصوم المقبول عند اللّه ، وهو يحذّر تلاميذه من الرياء والنفاق قائلاً :
"ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يُغيِّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.
الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم.
وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية ".
ولا يعني الربّ بقوله " متى صمتم " أي لكم ملء الحرية في أن تتمسّكوا بفريضة الصوم أو ترفضوها ، وإلا لكان قوله أيضاً "متى صليت".
تعني أن لك الحرية أيضاً في أن تتمسّك بصلاة أو ترفضها.
فالمسيح يسوع وضع مبدأ الصوم والصلاة وفوّض إلى كنيسته تنظيم أوقاتهما وتعيين المواعيد المناسبة لما فيه صالح المؤمنين.
أما الأصوام الخاصة فيفرضها الإنسان على نفسه زيادة في التقوى تماماً كما يصلّي صلاته الفردية الخاصة. آمــــــــــــين.