والصوم لا يقتصر على الجانب المادي فحسب ، إنما الأهم هو العبور إلى الطابع اللاهوتي والروحي المؤسس له ، للتغلب على التحديات التي يواجهها ، خصوصاً ان القِيم الدينية والأخلاقية تراجعت في زماننا ، بسبب التغييرات المتسارعة ، وهيمنة التقنيات التكنولوجية ودخول الانترنت الى الحياة ، مما أدى إلى حدوث بعض التصدع في البُنية الاجتماعية ، واختلال مفهوم الحرية والمسؤولية ، وتهافت الناس على كسب المال والنفوذ من أجل الملذات.
وقد غَدَت غالبية المجتمعات أقل التزاماً بالدين ، وأقل حيوية وحماسة وانضباطاً.
الصوم قبل اي شيء هو قبول كلمة الله بقلب منفتح ومصغٍ وعيشها في تفاصيل الحياة اليومية :
“من كان من الله ، سمع كلام الله ” ( يوحنا ٨/ ٤٧ ) و “ إذا ثبتّم في كلامي صرتم حقا تلاميذي ” ( يوحنا ٨ / ٣١ ).
و “ ليس بالخُبز وحدَه يحيا الإنسان ، بل بكلِّ كلمةٍ تخرج من فم الله ” (متى ٤ / ٤ ).
كلمته عندما تدخل قلبنا تحفّزنا على التوبة ( التطهير الداخلي ) وتوجه حياتنا لنعيش في النور الذي يمنحه حضور الله :
“كلمتك مصباحٌ لخطاي ونورٌ لسبيلي”.
الصلاة لا تنفصل عن الحبّ ، ومن يعرف معنى الحبّ ، هو وحده يقدر أن يصلّي ، لا بشفتيه فحسب ، بل بكلِّ كيانه.
الصلاة تعني ان الله حاضرٌ في حياتنا.
لأنها علاقة حية وشركة روحية مع الله ، بعيداً عن أعتبارها واجباً وفرضاً علينا.
يقول القديس يوحنا فم الذهب :
“ليس هناك ما يُضاهي الصلاة . انها تجعل مستطاعاً ما هو مستحيلٌ ، وسهلاً ما هو عسيرٌ، يستحيل لمن يصلي ان يرتكب الخطيئة”.
الصلاة ليست بحثاً لاهوتيّاً ، بل الصلاة تركّز على من ننتظر.
وهنا أؤكد على المشاركة في القداس وتناول القربان لاستمرار بقائنا مع يسوع والسير نحو الحياة الأبدية منذ الآن.
الصوم مناسبة لمساعدة المحتاجين بما وفّرناه بصيامنا.
يقول أشعيا :
“أَلَيسَ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ ؟ حينَئِذٍ يَبزُغُ كالفَجرِ نورُكَ ويَندَبُ جُرحُكَ سَريعاً ويَسيرُ بِرُّكَ أَمامَكَ ومَجدُ الرَّبِّ يَجمعُ شَملَكَ”. ( أشعيا ٥٨ / ٦-٨ ) .
يؤكد يسوع على ان دينونتا تعتمد على محبتنا : تَعالَوا ، يا مَن بارَكَهم أَبي ، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم : لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني ، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني ، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني ، وعُرياناً فَكسَوتُموني ، ومَريضاً فعُدتُموني ، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ”.
بمعنى آخر يجب ان تصبح محبّتنا مُنصَبّة على إخوتنا.
والصيام تدريب للإرادة والنفس والجسد ، من أجل تحقيق الانتصار على الذات في ضعفها وانحرافها ، وبلوغ حرية القلب.
إنه شريعة إلزامية ، مصدرها الكتاب المقدس ، في عهديه القديم والجديد ، وخضع لها المسيح الرب بصيامه أربعين يوماً ، استعدادا لبدء رسالته العلنية. آمــــــــــــين.