مسيرة الصوم أساساً تقودنا إلى العبور نحو فصح المسيح إلى حياة جديدة.
بحسب قول القديس أغوسطينوس :
“لقد خلقتنا لك يا رب، وسيظل قلبنا قلقًا ومضطربًا فينا، إلى أن يستقر فيك”.
لقد شاء الرب يسوع أن يكون ظهوره العلني الأول، في بداية رسالته الخلاصية، في احتفال عرس قانا للدلالة أنه أتى إلى أرضنا ليشارك الناس في أفراحهم، بل ليكون سبب فرحهم الحقيقي وسعادتهم.
بفضل السلام الذي يزرعه في قلوبهم.
كما أتى ليشارك الناس في آلامهم وحزنهم وجوعهم وفقرهم، وسمّى هؤلاء “إخوته الصغار”.
لم يكن حضور يسوع مقتصرًا على وجوده الحسّي، فهو سيّد العطايا جميعها، وحيث يتواجد تفيض النعم وهبات الله.
مريم أمّه وحدها تعرف كلّ مكنونات قلبه، وتعرف أنّه قادر على إخراج العروسيَن من مأزق نفاد الخمر، ومن موقع الإحراج تجاه المدعوّين.
وحدها كانت في العرس تعتني بكل ما يُسعد العروسين والمدعوين.
إنّها “الأمّ الحنون”.
تواصل سهرها على كل بيت وعلى كل انسان.
جميل هذا الحضور!
جميل أن نكون في كلّ مكان وظرف بمثل هذا الحضور. بفضل تشفع مريم أجرى يسوع آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، من بعد أن ملآ الخدام الأجران الستة بالماء.
تعلّمنا الآية أوّلاً أنّ عطيّة الله أكثر مما ننتظر ونطلب، فلا تقاس بمقياس البشر.
فلو وُجِدَت أجران أكثر عدداً، لأمرَ الرّبّ بملئها كلّها ماء.
أمّا في عرس يسوع المسيح الخلاصي، فكان تحويل الخمر إلى دمٍ فادٍ للبشرية جمعاء بفضل حبّ الله اللامتناهي للبشر الذي تجلّى في شخص المسيح.
هكذا الخمرة أصبحت رمزًا للحبّ المتفاني، المضحّي، المعطاء.
في هذا النوع من الحبّ يجد الإنسان سعادته، سواء في الحياة الزوجية أم في الكهنوت أم في الحياة المكرّسة، أم في حياة الفرد الذي يقوم بواجب حالته أو مسؤوليته.
وهذا النوع من الحبّ يعطي نكهة ومعنى للحياة وللعمل ولممارسة الواجب والمسؤولية. آمــــــــــــين.